يقول المثل الشعبي القديم اخزن سوس ولا تخزن فلوس وهي حكمة الأجداد الذين أدركوا أن البذور هي ذهب الأرض ومفتاح البقاء. فالبذرة ليست مجرد حبة تُلقى في التراب بل هي بداية الحكاية وأساس الحياة، ومن امتلكها امتلك قراره، ومن فقدها صار رهين السوق ومساعدات الآخرين.
البذور هي الحلقة الأولى في سلسلة الإنتاج الزراعي، وهي الركيزة التي تقوم عليها السيادة الغذائية لكل وطن. فالأمن الغذائي لا يُصنع بالخطابات ولا بالمشاريع المؤقتة، بل يبدأ من المزارع المنتج للبذور، ذاك الذي يعرف قيمة التراب، ويحمل في يده مفاتيح البقاء.
اليوم، وفي ظل أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية صعبة، علينا أن نجعل من السيادة الغذائية جبهتنا الأولى شمالًا وجنوبًا، وأن ننتقل من مرحلة العناية المركزة إلى مرحلة النقاهة نضمد الجراح ونزرع الأمل من جديد.
حكاية من يافع... حين أنقذت المدافن بطون الجياع
يُروى أنه في زمنٍ سحيق من المجاعات التي مرّت بالبلاد، كانت القرى تعاني شحًّا في القوت وقلّة في المطر، حتى أصبح الناس يقتاتون على ما تبقّى من مخلفات الحبوب اليابسة. في تلك الظروف القاسية
برز مزارع يافعي حكيم، كان قد خزن جزءًا كبيرا من محصول الذرة داخل مدافنٍ محفورة في باطن الأرض وتقع في مدخل المنزل ومغلقة بإحكام.
حين اشتدّ الجوع، فتح المزارع اليافعي مخزونه ووزّع الحبوب على أهل قريته وعلى القرى المجاوره قائلاً...
المدفن ما خُزن للتراب، خُزن للناس في يوم الصعاب.
بفضل حكمته وبعد نظره، نجت القرية من المجاعة، وصار الناس يذكرونه بالخير، ويقولون حتى اليوم
المدفن سر البركة، ومن نسيه نسي بطنه.
تلك الحكاية ليست مجرد قصة من الماضي، بل درس خالد في أن من يحافظ على بذوره، يحافظ على حياته وكرامته، وأن الفلاح اليمني من يافع إلى أبين إلى تعز إلى حضرموت إلى كل بقعه في اليمن هو خط الدفاع الأول عن أمن الوطن الغذائي.
*نحو سيادة غذائية حقيقية*
لكي نحقق الأمن الغذائي، علينا أن نبدأ من المزارع نفسه، لا من المكاتب والاماكن المغلقة. فكم من مشاريع تُعقد ودورات تُقام، لكنها تبقى حبرًا على ورق، لأنها تغفل صاحب الأرض والبذرة.
يجب أن نُركّز على تدريب منتجي البذور الحقيقيين، وأن نُنشئ تعاونيات متخصصة في كل منطقة زراعية، تضم المزارعين الذين يمارسون الزراعة فعلاً. فهؤلاء وحدهم القادرون على تأمين البذور والحفاظ على أصنافها المحلية ومواجهة تحديات السوق والتقلبات المناخية.
من قلب الميدان تتناقل الألسن حكمًا لا تُقدّر بثمن
الزرعة في الرأس قبل ما تكون في الأرض أي أن التفكير السليم هو أساس النجاح.
ومن زرع الحبة، ضمن القِربة
أي أن من زرع بذوره بنفسه، ضمن قوت أسرته.
البذرة بنت الأرض، ومن خانها جاع.
اختيار البذور الجيدة وتنقيتها وتعفيرها وتخزينها في أماكن مناسبة ليست تفاصيل فنية عابرة، بل هي ضمان لبقاء الحياة واستمرار الأجيال. فمن لم يدرك قيمة البذرة، سيظل يشتري قوته من غيره.
*اخيرا*
دعوني اقول للجميع
علينا أن نُفكر بعقولنا لا بعواطفنا، وأن ندعم من يعمل لا من يتكلم.
فالمزارع المنتج للبذور هو العمود الفقري للسيادة الغذائية، وصوته يجب أن يُسمع لانه هو القائد الذي يقود ملحمة السيادة الغذائيه إلى بر الأمان فإن أردنا أن نعيش بكرامة وأن نحافظ على وطنٍ قادر على إطعام نفسه، فلنبدأ من البذرة...
فهي بداية الطريق ونهايته.
كما يقول المثل
من زرع البِذرَة بأمانة، حَصَد الخيرَ في أوانه.
*نصيحة اليوم* *للمزارع*
احفظ جزءًا من بذورك كل موسم واعتنِي بها كما تعتني بولدك، فالبذرة التي تخزنها اليوم قد تكون طوق النجاة غدًا.عليك أن تفهم معنى المثل الذي يقول اخزن سوس ولا تخزن فلوس
*عبدالقادر السميطي*
*دلتا أبين*