كتب/خالد بن علي أحمد:
في لحظة امتزج فيها الشعر بالحزن، والذكرى بالدمع، أقامت محافظة أبين فعالية تأبينية مهيبة لتوديع أحد أبنائها المخلصين، الشاعر إيهاب باضاوي، الذي رحل وترك خلفه قلوبًا تُمتلئ بالحب، وأرواحًا لا تزال تردد صداه في كل زاوية من زوايا المكان. لقد كان حفل التأبين صورة صادقة من صور الوفاء، شارك فيه شعراء وأدباء وأساتذة وذوو الفقيد وجمهور يحمل في عينيه الحزن وفي قلبه المحبة. ومن بين مشاهد التأبين، كانت لي أربع وقفات لن أنساها ما حييت.
*الوقفة الأولى:*
*عبق الذكرى وحنين اللقاء*
كأن الزمن قد فتح بوابة من ضوء حين وقعت عيناي على أستاذي "محمد الحاكم" بعد غياب يقارب ثلاثة عقود. لحظة باغتني فيها الحنين، وتزاحمت في خاطري الذكريات. هممت أن أهرع نحوه، أن أعانقه، ثم تساءلت في داخلي: هل سيعرفني؟ لكن صوته حين ارتفع يقرأ المرثية، كان كفيلًا أن يمحو كل شك. ذلك الصوت الذي كان، ولا يزال، يطرز الحروف بإحساس ويهز القلوب. عدت حينها بتفكيري إلى قاعات كلية التربية بزنجبار، حين كنا طلابًا تلهبنا طريقته في إلقاء الشعر وتحليله. فدعوت ربي له دعاء الصادقين بالعافية وطول العمر.
*الوقفة الثانية:*
*حين يتكلم الشعر بلسان الوجع*
أما الشاعر "حسن الجامعي" فكان حضوره شجيًّا. لم تكن كلماته مجرد رثاء لمن غاب، بل كانت مرآة لوطن مُزجت بالرثاء. كان يحمل الفقيد رسالة ليوصلها إلى فقيد بكت عليه أبين، يخبره عن بلد يئن، وحال للناس يُرثى لها من انعدام أبسط مقومات الحياة.
*الوقفة الثالثة:*
*ترجمات صادقة*
الحشود التي حضرت حملت معها محبة، فكانت ترجمة صادقة لمحبة عميقة تمتع بها الفقيد أبو آية.
*الوقفة الرابعة:*
*حين تكلمت الدموع عن الوجع*
ما ارتجلته ابنة الفقيد لم تكن كلمات فحسب، بل أنين قلب موجوع يلامس جراح كل حاضر بصدق وبراءة الطفولة. ما أن بدأ أستاذنا "محمد العولقي" يقرأ كلماتها، حتى وجدت دموعي تنساب دون استئذان، وكأن الحزن قد اخترق حاجز الصبر. عندما تلا أستاذنا محمد العولقي أبياتها بصوته المرتجف، خانته الحروف وسبقته الغصة، فخيم على المكان صمت ثقيل يحاكي ألم الفقد. كان مشهدًا تختلط فيه المرارة بالدموع، وتتكلم فيه الأحزان بلغة لا تحتاج إلى ترجمة.
رحمك الله أبا آية، وغفر لك، وأسكنك فسيح جناته.
ستبقى سيرتك خالدة تروى للأجيال بكل خشوع، وتبكي كل قلب عرف قدرك.