إعداد وتوثيق: سعاد العلس
تُعد المناضلة نجوى مكاوي إحدى أبرز رموز النضال الوطني النسوي في عدن، وأول فتاة من المدينة تخوض غمار العمل الفدائي الميداني ضد الاستعمار البريطاني، لتصبح لاحقًا أيقونة من أيقونات ثورة 14 أكتوبر المجيدة.
ولدت نجوى مكاوي في 2 أغسطس 1943م في أسرة عدنية ميسورة تنتمي إلى الطبقة البرجوازية، لكنها سرعان ما كسرت القيود الاجتماعية، وحولت منزلها في كريتر إلى مقر سري لاجتماعات رفاق النضال ومخبأ للمنشورات الثورية.
فقدت نجوى والديها وهي في الثانية من عمرها، فتربت في كنف جدها الذي منحها ميراثها كاملًا عند بلوغها، فكانت مثالًا للعطاء والكرم، إذ أنفقت كل ما تملك في سبيل الثورة ودعم الفدائيين.
تميزت شخصيتها بمزيج من العفوية والجرأة وروح المغامرة، وكانت سيارتها “الفولكس فاغن” الزرقاء رمزًا للفرح بين الأطفال في شوارع عدن، إذ كانت توزع عليهم الحلوى كلما مرّت.
انخرطت نجوى في جمعية المرأة العربية عام 1961م إلى جانب رضية إحسان الله وعايدة علي سعيد وزهرة هبة الله وغيرهن، وأسهمت في توعية النساء وإشراكهن في العمل الوطني. وبعد تأسيس الجبهة القومية، لعبت دورًا محوريًا في استقطاب الفتيات للانضمام إلى صفوفها.
كانت نجوى تقوم بنقل السلاح للفدائيين، وإيواء المصابين، وتوزيع المنشورات، وتهريب المناضلين بسيارتها، وقد تعرّضت مرارًا للملاحقة والاعتقال من قبل القوات البريطانية، لكنها لم تتراجع يومًا.
ومن أبرز مواقفها البطولية قيادتها لدبابة بريطانية في 20 يونيو 1967م بعد فرار الجنود من كريتر، حيث جابت بها المدينة مطالبة الناس بفتح المحال ومزاولة حياتهم، في مشهد خالد في ذاكرة الثورة.
كما لعبت دورًا حاسمًا في تهريب جثمان الشهيد عبود (مهيوب علي غالب) من مستشفى الملكة، بعدما تنكّرت رفقة عدد من السيدات، في عملية جريئة أكدت شجاعتها النادرة.
بعد الاستقلال، لم تتقلد نجوى أي منصب رسمي، إذ كانت قد أنفقت كل ثروتها على دعم النضال. ومع تدهور وضعها الصحي نتيجة مرض الكبد، عانت من الإهمال والتهميش، وسافرت إلى الكويت للعمل، ثم عادت إلى عدن لتقضي آخر أيامها في منزل رفيقتها ملكة سرور.
توفيت نجوى مكاوي في 20 يونيو 1981م عن عمر ناهز 38 عامًا، في اليوم ذاته الذي كانت قد أعلنت فيه تحرير كريتر عام 1967م.
رثاها القائد علي عنتر قائلًا:
> "ماتت نجوى في اليوم الذي خلّد اسمها في تاريخ عدن، يوم الحرية والكرامة."
وبعد وفاتها، أُطلق اسمها على الوحدة السكنية بمدينة المنصورة تخليدًا لذكراها، وبقيت سيرتها خالدة كرمز للبطولة والتضحية والعطاء.
رحم الله نجوى مكاوي، المرأة التي كانت بآلاف الرجال، ووشمًا خالدًا في جبين عدن وثورتها المجيدة.