آخر تحديث :الأحد-12 أكتوبر 2025-01:21ص
وثائقيات


من شريط الذكريات (2): ملامح ما بعد الاستقلال وتأسيس أول مركز لمحو الأمية في سرار يافع

من شريط الذكريات (2): ملامح ما بعد الاستقلال وتأسيس أول مركز لمحو الأمية في سرار يافع
السبت - 11 أكتوبر 2025 - 11:22 م بتوقيت عدن
- أبين تايم/خاص

بقلم/ الأستاذ المناضل محمد شيخ أحمد

مراجعة وتنسيق: الأستاذ نائف زين ناصر أحمد


((الحلقة الثانية))

الأوضاع والأحوال بعد الاستقلال الوطني 1967م في مديرية سرار


بعد إعلان الاستقلال الوطني، كأن بداية الوضع والنظام الجديد على مستوى الجنوب وأرضه وشعبه.

في المدن والأرياف، الكل أيد إعلان الدولة الجنوبية الجديدة، باستثناء بعض الأحداث التي شهدتها عدن أثناء الإعلان والاعتراف بالجبهة القومية فقط، واستُثنيت بعض القوى مثل جبهة التحرير.


إلا أن أكثر القوى السياسية فضلت ما بين الهدوء والصمت والقبول والترقب، ومن ضمنها منطقة سرار كلد التي كانت المنطقة الأكثر اضطراباً وأحداثاً على مستوى يافع بشكل عام تقريباً.

ساد الهدوء فيها وأصبحت العاصمة لقيادة الجبهة القومية واستمرت لفترة زمنية قبل أن تنتقل إلى القارة (رصد).


وبالرغم من انتقال المركز الرئيسي إلى القارة، ظل مركز سرار مركزاً مهماً، وكان محمد علي حيدرة السعيدي هو المسؤول الأول، وهو الشخصية الأكثر قبولاً في المنطقة ويحظى بشعبية وتأييد واحترام عند المواطنين بأخلاقه الشعبية العالية ومعاملاته الطيبة وأسلوبه مع الكل.


بداية التنظيم الاجتماعي والتربوي


شكّل السعيدي لجنة لحل القضايا واستعادة الدراسة في مدرسة المقيصرة.

عاد المدرسون والطلاب الذين كانوا يدرسون من قبل الاستقلال، والتحق الطلاب الجدد وفتح المجال للجميع بدون استثناء.

كما أقبل المدرسون الجدد من أبين تدريجياً.


ولم تشهد المنطقة أحداثاً تُذكر سوى حادثين فقط:


حادث صالح علي حيدرة العطوي المريقب العلاة.

وحادث السنيين الصفاة عندما رفضوا أمر الحضور إلى مركز القيادة.


الظروف الاجتماعية

كانت منطقة سرار من أكثر مناطق يافع التي ينتشر فيها الشباب العاطلون عن العمل والدراسة، إلى جانب الفقراء والأيتام، بحكم تعدد الفئات الاجتماعية والقبلية فيها.

كانوا ينتظرون أي جديد من قبل النظام السياسي الجديد.


لكن النظام السياسي الجديد، رغم الهدوء والسكينة التي وجدها على المستوى الشعبي الجنوبي من أقصى الجنوب إلى أقصاه، كان داخله تناقضات وقوى تراقب الموقف بحذر على الصعيد التنظيمي والعسكري.


بدأ التناقض يتطور تدريجياً، وأول ما ظهرت نتائجه في:


حركة 20 مارس للجيش، رداً على نتائج المؤتمر الرابع للجبهة القومية بزنجبار عام 1968م.


حركة 14 مايو


حركة 27 أغسطس في الصعيد 1968م


ثم 22 يونيو 1969م


وأحداث خيرة، وغيرها.


كل ذلك كان بسبب التناقض داخل الجبهة القومية وقوى الاستقلال بين ما يسمى باليسار واليمين.


حياد شباب سرار

في منطقة سرار، بحكم أنها كانت منطقة تعدد الصراع والتناقض، كان أغلب الشباب متخذين موقف الحياد من كل ما يدور، وذلك لسبب يعود إلى ما يلي:

تأسيس أول مركز لمحو الأمية وتعليم الكبار ونادٍ للشباب.


بداية فكرة تأسيس المركز


بدأ التفكير في تأسيس أول مركز لمحو الأمية في ديوان مسجد علي أمبابكر في النصف الثاني من عام 1968م تقريباً.

كنا في إحدى الليالي في ديوان المرحوم ابن العم علي شيخ الحجاشي رحمه الله عليه وأسكنه فسيح جناته.


كان المدرسون الجدد والقدامى الذين جاؤوا من أبين يدرّسون في مدرسة المقيصرة بسرار، وكانوا يتناولون القات ويجلسون عنده وديوانه مفتوح للجميع.


كنت موجوداً معهم، وأنا واحد من مئات الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و20 عاماً، حرموا من التعليم ولا يستطيعون الالتحاق بالدراسة.

جاء في بالي طرح الفكرة التي تراودني، فقلت لهم:


"نحن حُرمنا من الالتحاق بالدراسة، ومعي كثير من الشباب يريدون أن يدرسوا. بعضهم درسوا في المعلامة وبعضهم أميّون، ولا نستطيع الالتحاق بالدراسة النظامية.

إيش رأيكم إذا وجدنا مكاناً للدراسة في المساء، هل تتعاونون معنا في التدريس؟ نريد أن نتعلم."


كان موجود الأستاذ باقري منصور مدير المدرسة رحمه الله، والأستاذ صالح ناصر ناجي رحمه الله "شقيق المرحوم الشخصية الزراعية الشهيرة عبدالله ناصر ناجي" وآخرون.

فكان جوابهم مباشرة:


"نعم، مستعدين. ما عليكم إلا تجهيز المكان المناسب، ونحن سنعمل لكم برنامجاً للتدريس. أهم شيء المكان."


قلت لهم: المكان موجود وأقصد به ديوان مسجد علي أمبابكر وهو ديوان كبير وأقرب إلى سكن المدرسين وموقعه مناسب للجميع.

وافقوا وقالوا: في حالة وجدنا المكان جاهزاً أشعرونا ونحن على استعداد.


خطوات التنفيذ الأولى

في صباح اليوم التالي، وصلت إلى أسفل حوج سوق سرار حالياً، وكان جيران دكاننا ناصر حسين جبران (أطال الله عمره) والمرحوم ناصر سعيد عبد القوي رحمه الله،

وهما أول أصدقائي الذين أيدوا الفكرة وقالوا:


"نحن معك، اعمل على بركة الله."


قلت لهم إن المكان يحتاج إلى ترميم وسبورة وغيرها، فاتفقنا على جمع خمسة شلنات من كل من يرغب بالدراسة لتجهيز المكان.

أيدوا الفكرة، وأخذت منهم دفتر "دبل كيت" للاستلام يُعطى لأي مشترك، وكنت أنا وهم أول من سجل ودفع.

قالوا:


"أنت تحرك ونحن معك."

تحركت مباشرة إلى بدر شيخ حسين رحمه الله، صاحب دكان صغير أسفل مذابة بناه بعد عودته من الخارج، وهو من الأصدقاء الأوائل رغم كبر سنه.

طرحت عليه الفكرة، فأيدها وسجل اسمه ودفع المبلغ.


في اليوم نفسه واليوم التالي، وصل عدد المسجلين إلى أكثر من 15 شخصاً،

منهم:


المرحوم غالب حسين راجح،

المرحوم علي صالح علي السعيدي

المرحوم جبران شيخ محمد

وآخرون من أصدقائي وجيلي، والكثير منهم قضى نحبه.


انتشر الخبر بين شباب الوادي، وأقبل الشباب، وكان البعض يأتي إلى البيت إن لم يجدني في الدكان.


العمل الميداني والترميم

عندما زاد العدد، ذهبت إلى معلم البناء أحمد ناصر زبادة رحمه الله، وشرحت له الفكرة، فأيدها وباركها.

ذهب معي إلى المكان وشاهده، وسجل المطلوب من ترميم ووضع السبورة.


نسقنا أولاً مع الجدة المرحومة عيشة الظاهرية أم عقبة،

والمرحومة العمة نور حسن أم سالم عوض سرور رحمهما الله،

وهما المعروفات في سرار الوادي بالترميم (المحاضة) بالمواد المحلية.


استمر العمل حوالي أسبوع، وبعدها جهزت السبورة من قبل المرحوم أحمد ناصر بدون أي مقابل.

أصبح المكان جاهزاً والتسجيل مستمراً، ودفتر الاستلام بلغ نحو 50 رصيداً تقريباً.


انتهت الحلقة الثانية