تنطلق اليوم الأربعاء مناسك فريضة الحج للعام الهجري 1446، بمشاركة نحو مليوني مسلم وصل غالبيتهم بالفعل إلى الأراضي المقدسة في السعودية من مختلف دول العالم عبر المنافذ البرية والبحرية والجوية، وفي ظل درجات حرارة مرتفعة مع دخول فصل الصيف.
وتبدأ مناسك الحج مع تدفق جموع حجاج بيت الله الحرام صباح الأربعاء؛ الثامن من شهر ذي الحجة؛ إلى مشعر "مِنَى"، حيث سيقضون "يوم التروية"، وهو أولى محطات المناسك التي تتواصل على مدى 6 أيام. وفي يوم التروية، يقضى الحجاج وقتهم في الدعاء والذكر والتأمل، وترديد تلبية الحج: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك"، كما يُصلّون في "مِنَى" الصلوات الخمس قصراً من دون جمع، ويبيتون هناك قبل التوجه إلى صعيد عرفة بعد طلوع شمس يوم التاسع من ذي الحجة.
ويقع مشعر "مِنَى" بين مكة المكرمة ومشعر مزدلفة على بُعد 7 كيلومترات شمال شرق المسجد الحرام، وهو عبارة عن وادٍ تحيط به الجبال من الجهتَين الشمالية والجنوبية، ولا يُسكن إلّا في فترة الحج، وله مكانة دينية خاصة، ففي هذا المكان رمى نبي الله إبراهيم إبليسَ بالجمرات، وذبح فدي سيدنا إسماعيل عليه السلام.
وأعلن وزير الحج والعمرة السعودي، توفيق الربيعة، خلال مؤتمر صحافي، جاهزية الحرمين الشريفين، وتطوير تجربة إدارة الحشود داخل الحرم المكي، وتخصيص أكثر من 400 عربة كهربائية لكبار السن وذوي الإعاقة، إلى جانب تفعيل خدمة "اسألني" في أكثر من 50 نقطة إرشادية داخل المسجد الحرام وساحاته، واستعداد الوزارة لاستقبال استفسارات الحجاج عبر مركز اتصال موحد يعمل على مدار الساعة بـ11 لغة.
وتضم البنية الرقمية السعودية لإدارة الحشود وتفويج الحجاج أكثر من 5 آلاف برج اتصالات، مع توفير أكثر من 10 آلاف نقطة إنترنت "واي فاي" مجانية للحجاج، وبمشاركة أكثر من 25 ألف متطوع ومتطوعة.
وأطلقت السعودية حملات متكررة قبل انطلاق موسم الحج للتحذير من "الحج من دون تصريح"، وأعلنت في أكثر من مناسبة إعادة عشرات آلاف المخالفين لأنظمة الحج أو منعهم من الوصول إلى مكة المكرمة.
وشهد موسم الحج الماضي تسجيل وفيات تجاوزت 1300 وفاة، من بينهم أكثر من ألف وفاة من بين غير المُصرّح لهم بالحج، والكثير منها بسبب التعرض إلى ضربات الشمس، أو الإجهاد نتيجة المشي لمسافات طويلة من دون راحة.
في السياق، أعلن وزير الصحة السعودي، فهد الجلاجل، خلال مؤتمر صحافي حكومي، الأسبوع الماضي، عن جاهزية المنظومة الصحية لاستقبال الحجاج، مع "رفع الطاقة السريرية بنسبة 60% مقارنة مع العام الماضي، واستعداد أكثر من 50 ألف كادر طبي لخدمة ضيوف الرحمن"، مؤكداً استقرار الوضع الصحي في البلاد، وعدم رصد أي حالات تفشٍ لأمراض أو أوبئة من شأنها التأثير على الصحة العامة.
وأوضح الجلاجل أن "الجهود الصحية انطلقت مبكراً عبر تحليل المخاطر الصحية الدولية، وإصدار اشتراطات صحية واضحة تشمل التطعيمات ضد الحمى الصفراء، والحمى الشوكية، وشلل الأطفال، وكوفيد- 19، والإنفلونزا الموسمية، مُشدداً على أن "شهادة الاستطاعة الصحية تمثل خط الدفاع الأول عن صحة الحجاج"، وأن المنظومة الصحية تعمل بفعالية في 14 منفذاً برياً وجوياً وبحرياً، وبدأت تقديم خدماتها مع وصول أول رحلة ضمن مبادرة "طريق مكة"، وقدمت خلال الأيام الماضية أكثر من 50 ألف خدمة صحية، من بينها 140 عملية جراحية، و65 قسطرة قلبية، و6 عمليات قلب مفتوح.
وأكّد وزير الصحة السعودي تنفيذ إجراءات استباقية للتصدي لمخاطر ضربات الشمس وشدة الحرارة، من بينها زراعة أكثر من 10 آلاف شجرة، وتركيب 400 برادة مياه إضافية، والعديد من مراوح الرذاذ، إلى جانب توسيع المساحات المظلّلة للمشي، مشيراً إلى "إنشاء مستشفى طوارئ جديد في (مشعر مِنَى) بسعة 200 سرير، وتدشين 3 مستشفيات ميدانية إضافية بسعة تتجاوز 1200 سرير، و71 نقطة طوارئ، وتوفير 900 سيارة إسعاف، و11 طائرة إخلاء، وأكثر من 7500 مسعف".
وشهدت الأيام الماضية وصول نحو 250 ألف حاج عبر مبادرة "طريق مكة"، وذلك من أصل قرابة 500 ألف حاج، وهي المُبادرة التي أُطلقت في عام 2017، من أجل تسهيل إجراءات الحج من بلد المغادرة حتى الوصول إلى مكة المكرمة، ومن المرجح أن تستقبل السعودية أكثر من مليون ونصف المليون حاج عبر المطارات، وفق وزارة النقل والخدمات اللوجستية السعودية.
وكشف المتحدث باسم وزارة النقل السعودية، صالح الزويد، عن تفاصيل استعدادات مختلف القطاعات، بداية من قطاع الطيران، الذي خَصص نحو 3 ملايين مقعد لحجاج الداخل والخارج عبر الرحلات العارضة والمجدولة في مرحلتَي القدوم والمغادرة، كما أكملت 6 مطارات استعداداتها من خلال 11 صالة سفر، وبمشاركة أكثر من 18 ألف موظف وموظفة، وتشمل التسهيلات خدمة "مسافر بلا حقيبة" التي تتيح إنهاء الإجراءات من مقرّ الإقامة وشحن الأمتعة مسبقاً، إضافة إلى الشحن المسبق لعبوات مياه زمزم.
وأوضح الزويد: "وفرت الخطوط الجوية السعودية أكثر من مليون مقعد عبر أسطول يضمّ 158 طائرة، وطيران ناس جاهز لنقل أكثر من 120 ألف حاج عبر 249 رحلة من 15 وجهة عالمية، وهناك 72 ناقلاً دولياً صُرّح له بتشغيل رحلات، و71 دولة جُدولت رحلاتها بالفعل. وتعتبر السعودية من بين الأبرز على مستوى العالم في مؤشر ترابط الطرق، وهو الأمر الذي يُسهم في تسهيل وصول ضيوف الرحمن من المنافذ إلى المشاعر المقدسة، وجرى الانتهاء من صيانة أكثر من 7400 كيلومتر من الطرق المؤدية إلى المشاعر المقدسة، وفحص وصيانة 247 جسراً لضمان سلامتها وانسيابية الحركة عليها، وهناك أكثر من 300 مراقب للطرق، كما تستخدم تقنيات متقدمة في المتابعة والرصد لتعزيز الأمان والكفاءة على شبكة الطرق، إضافة إلى أسطول المسح والتقييم الذي يُعدّ الأضخم على مستوى العالم، ويعمل باستخدام الذكاء الاصطناعي".
وضمن التسهيلات في الحركة، كشف عن "التوسع في الطرق المطاطية بأكثر من 33% مقارنة مع العام الماضي، وهي تسهم في تخفيف الإجهاد على ضيوف الرحمن في ممرات المشاة بين مزدلفة وعرفات خلال المشي، خاصة كبار السن، وهذا الابتكار يعتمد على إعادة تدوير إطارات السيارات القديمة هذه الطرق، والتّوسع أيضاً في تبريد الطرق مقارنة مع العام الماضي، من خلال ابتكار محلي الصنع يسهم في تقليص درجة حرارة الطريق إلى قرابة 12 درجة مئوية".
وبشأن قطاع النقل العام، قال الزويد إنّ "الهيئة العامة للنقل جهّزت أكثر من 25 ألف حافلة، و9 آلاف سيارة أجرة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، مع وجود 180 مشرفاً رقابياً في 20 موقعاً على مداخل المدينتَين وفي المشاعر المقدسة لضمان الامتثال لمعايير السلامة والجودة، كما خُصص 18 مساراً لنقل الحجاج بين المدن، وهناك أكثر من 180 ألف عملية فحص متوقعة، كما نعمل على استخدام تقنيات الواقع الافتراضي المعزز لتسريع عملية فحص الحافلات. قطاع السكك الحديدية أيضاً على أتم جاهزية، وجرى تجهيز أكثر من ألفي رحلة لقطار المشاعر المقدسة لنقل أكثر من مليوني راكب بين كل من منى ومزدلفة وعرفات، ويستهدف قطار الحرمين نقل 360 ألف حاج عبر 35 قطاراً كهربائياً صديقاً للبيئة، وهو يربط مكة بالمدينة عبر ثلاث محطات".
وبيّن أن "الهيئة العامة للموانئ سخّرت 436 موظفاً لاستقبال نحو 5 آلاف حاج عبر ميناء جدة، وهناك 5 أرصفة بحرية مخصصة لاستقبال الحجاج، ومن المتوقع استقبال أكثر من 600 ألف حاوية، وأكثر من 7 آلاف طن بضائع، وأكثر من مليونين ونصف المليون رأس ماشية. فيما يستعد البريد السعودي (سبل)، لخدمة نحو 300 ألف حاج، وهو يستهدف نقل 100 ألف حقيبة، وأكثر من 200 طن من الطرود، و66 ألف سند هدي وأضاحي، إضافة إلى تشغيل خدمة نقل عينات الدم داخل المشاعر المقدسة".
وكشف المتحدث باسم وزارة النقل أن "المركز الوطني لسلامة النقل" نفّذ خطة تشغيلية من مرحلتين، انطلقت الأولى في فبراير/شباط الماضي من مدينة جدة، وبدأت الثانية في 31 مايو/أيار الماضي، وتستمر حتى التاسع من يونيو/حزيران القادم، وتشمل "تسخير الإمكانات البشرية والفنية كافّة لخدمة الحجاج، إذ يعمل المركز على تعزيز مستويات سلامة الحجاج في أنماط مختلفة من خلال دراسة ومواءمة خطط الطوارئ، والمشاركة في فرضيات الطوارئ، وإجراء تحقيقات السلامة في الحوادث الجسيمة حال حدوثها، ويعتمد المركز في ذلك على تقنيات ووسائل متعدّدة، منها استخدام الطائرات من دون طيار، لتوثيق الحوادث والوقائع بمستوى عالٍ من الدقة والسرعة، ما يسهم في دعم التحقيقات الفنية بكفاءة، وينعكس إيجاباً على تحسين مستوى السلامة في منظومة النقل".