د. علوي عمر بن فريد العولقي
في عمق القلب الجنوبي جرح لم يندمل، رغم كل ما كُتب، وما قيل، وما تم تزييفه على أوراق السياسة والتاريخ ، لا يزال الجنوب العربي ينزف. نزف الكرامة، والهوية، والسيادة. نزف وطن كان ذات يوم دولة، ترفع رايتها في المحافل الدولية، لها مقعد في الأمم المتحدة، وجوازها السيادي، وحدودها المحمية برجالٍ شرفاء.
جاءت “الوحدة اليمنية” في العام 1990 ليست باعتبارها عقد شراكة بين دولتين، بل كخدعة لتمزيق الجنوب وسحق صوته وإزاحة نخبته واستباحة أرضه. وقّعها من الجنوب مَن خانه التاريخ، ومن الشمال مَن خانه الصدق. لم تكن وحدة قلوب أو وحدة مصير، بل خطة استيلاء سياسي واقتصادي وعسكري، تم التمهيد لها بخداع المصطلحات ووعود العسل المسموم.
ثم جاءت حرب 1994، التي حسمت الأمر تمامًا: الجنوب لم يكن شريكًا، بل غنيمة حرب. جيوش الشمال اجتاحت المدن، وداست الكرامة، ونهبت الثروات، واستباحت المؤسسات، وأحلت قانون الفيد والنهب محل القانون والدستور. كل من نادى بحق الجنوب في تقرير مصيره، وُصف بالخائن والانفصالي، بينما الخيانة الكبرى كانت بحق الجنوب نفسه.
اليوم، وبعد أكثر من ثلاثة عقود على ذلك الاتفاق المشؤوم، أين الجنوب؟ أين شبوة، وعدن، والمهرة، وحضرموت من القرار؟ من الثروة؟ من الشراكة؟ الواقع يصرخ: الجنوب محتل. الجنوب مُقصى، ومصادر، وممنوع من أن يكون صاحب قراره في الداخل أو الخارج. ومن يسمي ذلك وحدة، فهو شريك في الجريمة أو أعمى لا يرى.
لسنا دعاة فرقة، ولكننا ضحايا خديعة. لسنا دعاة انتقام، ولكننا نطالب بالعدل. الوحدة لا تكون قسرية، ولا بالقوة العسكرية، ولا بإلغاء الآخر. الوحدة التي تُبنى على المقابر والدموع ليست وحدة، بل استعمار مقنّع.
أجيال الجنوب الجديدة لا تحمل ذاكرة الهزيمة، بل وعي الهوية. أبناء عدن، وسقطرى، وحضرموت لا يرون في الجمهورية اليمنية إلا كيانًا دخيلًا، لم يعرف يومًا كيف يراهم شركاء، بل مجرد تابعين. واليوم، آن لهم أن يعيدوا صياغة مستقبلهم، بلا شعارات مستوردة ولا وصاية من أمراء حرب.
الجنوب العربي ليس مشروعًا جديدًا، بل دولة سُرقت منه السيادة، واليوم يستردها بقوة الإرادة. ليس بمدافع ولا خطاب ثوري، بل بإرادة شعبية واعية، ومنطق سياسي عادل، واستنادا إلى مواثيق دولية تضمن لكل شعب حق تقرير المصير.
ليس هناك ما هو أكثر عدالة من عودة الجنوب لأهله. لا توجد قوة في العالم تستطيع أن تُخمد صوت الحق إذا ما توحّد خلفه الشعب. وعلى أبناء الجنوب أن يتحدوا خلف رايتهم، لا خلف مصالحهم. فاللحظة فارقة، والتاريخ لا يرحم المتقاعسين.
يا أبناء الجنوب، تذكّروا أن حريتكم ليست منحة من أحد، بل حقكم الأصيل. تذكّروا من كنتم، لتعرفوا من أنتم. لا تخدعكم الشعارات ولا تُرهِبكم التهم. من كان له وطن يُسلب، لا بد أن يقاتل بالكلمة، بالحقيقة، بالوعي، ليسترده. فلتُرفع راية الجنوب مرة أخرى، لا كشعار سياسي، بل كحقيقة تاريخية، وحلم أمة، وعهد جديد.