تشهد العاصمة عدن تفشيًا خطيرًا للحميات الفيروسية، وسط انهيار شبه كامل للمنظومة الصحية، ما أدى إلى ارتفاع عدد الوفيات بشكل متسارع. وفقًا لمصادر طبية، سُجلت أكثر من خمس حالات وفاة يوم الخميس وحده، بينهم أطفال، فيما تجاوز عدد الضحايا خلال الأيام القليلة الماضية 50 حالة وفاة. هذا التصاعد المستمر في أعداد المصابين يعكس مدى هشاشة البنية الصحية في المدينة، حيث تفتقر المستشفيات إلى الموارد الأساسية للتعامل مع الأزمة. ومع استمرار غياب التدخل الفوري، يخشى المواطنون من توسع رقعة انتشار الحميات إلى مناطق أخرى، مما سيزيد من الضغط على نظام صحي يعاني بالفعل من انهيار شبه تام.
أسباب تفشي الحميات
تنتشر أمراض مثل حمى الضنك، الكولايرا الشيكونغونيا، والملاريا بشكل واسع في المناطق الساحلية، مدفوعة بعوامل بيئية ومعيشية متدهورة، أبرزها انقطاع الكهرباء المستمر ، ما يدفع السكان إلى فتح النوافذ للتنفس، مما يسهل دخول البعوض الناقل لهذه الأمراض إلى المنازل. هذا الوضع يضع المواطنين أمام خيارين قاتلين: إما المعاناة من الحر الخانق داخل المنازل، أو التعرض للدغات البعوض التي تنقل الفيروسات القاتلة. إلى جانب ذلك، فإن نقص حملات الرش الوقائية، وعدم وجود جهود حكومية واضحة لمكافحة المرض، ساهم في اتساع نطاق الأزمة الصحية. ضعف البنية التحتية الصحية، وغياب التوعية المجتمعية حول طرق الوقاية، زاد من عدد الإصابات، مما يجعل هذه الحميات أكثر تهديدًا للحياة اليومية في المدينة.
استجابة رسمية محدودة
في ظل غياب أي تحرك حكومي فعّال، تتحول المستشفيات العامة مثل مستشفى الصداقة والجمهورية إلى مشاهد مأساوية، حيث تعاني هذه المنشآت الطبية من نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، بينما يواجه الطاقم الطبي ضغطًا هائلًا نتيجة الأعداد المتزايدة من المرضى. يضطر العديد من المواطنين للبحث عن علاج في العيادات الخاصة، التي تقدم خدماتها بتكاليف باهظة تفوق قدرة معظم الأسر المتضررة. في المقابل، يواجه المرضى صعوبات في الحصول على الرعاية الصحية، خاصة مع استمرار غياب الدعم الحكومي الفعلي، مما يجعل تفشي الحميات أكثر تهديدًا للحياة اليومية في المدينة. الأزمة الصحية الحالية تكشف عن هشاشة النظام الصحي في مواجهة أي تفشي وبائي، وتضع الجهات المعنية أمام مسؤولية عاجلة لإنقاذ الأرواح.
الغموض الرسمي يزيد من تعقيد الأزمة الصحية
في ظل تصاعد انتشار الحميات، حاول موقع الأحقاف نت التواصل مع مستشارين في وزارة الصحة العامة والسكان للحصول على تقييم رسمي للوضع الراهن، ومعرفة ما إذا كانت هناك خطة طوارئ أو تدخل عاجل لاحتواء الأزمة. إلا أن المسؤولين رفضوا الإدلاء بأي تصريحات، متجنبين الكشف عن الإحصائيات والأرقام الرسمية المتعلقة بعدد الإصابات والوفيات. هذا الغياب في التواصل الرسمي يزيد من حالة الإرباك والقلق بين المواطنين، الذين يعتمدون على المعلومات الدقيقة لاتخاذ التدابير الوقائية اللازمة. كما يثير هذا الغموض تساؤلات حول مدى جاهزية الوزارة لمواجهة الأزمة، وهل هناك جهود فعلية لتحسين الوضع الصحي؟ غياب المعلومات الدقيقة لا يعيق فقط استجابة المجتمع، بل يعطل أيضًا جهود المنظمات الصحية التي تحتاج إلى بيانات دقيقة لتقديم الدعم المناسب.
مناشدة رسمية للتدخل
أصدر مكتب وزير الدولة، محافظ محافظة عدن مناشدة رسمية موجهة إلى وزير الصحة العامة والسكان، تطالب بتدخل سريع لاحتواء الأزمة الصحية. تأتي هذه المناشدة وسط تصاعد المخاوف من تفاقم الأوضاع الصحية، حيث دعت إلى استجابة عاجلة من المنظمات الدولية، وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية، أطباء بلا حدود، واليونيسيف، لتقديم الدعم اللازم ووقف انتشار الوباء. مطالبة الحكومة بالتدخل العاجل تتركز حول توفير الأدوية الأساسية، تعزيز قدرات المستشفيات، وإطلاق حملات توعوية لمكافحة الأمراض المعدية. ومع ذلك، يبقى السؤال قائماً حول مدى سرعة استجابة الجهات المعنية لهذه المناشدة، خصوصًا مع تزايد الحاجة إلى تحرك فوري لإنقاذ الأرواح قبل أن تتفاقم الأزمة الصحية أكثر.
تفاقم الوضع البيئي
إلى جانب تفشي الحميات، تعاني المدينة من طفح مياه الصرف الصحي في عدة أحياء، مما يزيد من احتمالات انتشار الأمراض القاتلة. تفاقم التلوث البيئي يسهم في ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض المعدية، حيث تتحول البرك الراكدة والمياه الملوثة إلى بيئة خصبة لتكاثر الحشرات الناقلة للفيروسات. فشل السلطات المحلية في معالجة أزمة الصرف الصحي يزيد من معاناة المواطنين، خاصة في المناطق المكتظة بالسكان التي تفتقر إلى أنظمة تصريف ملائمة. الوضع يزداد سوءًا بالأخص مع استمرار هطول الأمطار الموسمية، ما يضاعف احتمالات نقل العدوى عبر المياه الملوثة. هذه العوامل مجتمعة تجعل المدينة عرضة لتحولها إلى بؤرة وبائية إذا لم يتم التدخل العاجل، حيث أن غياب الحلول الفورية يعني تفاقم الكارثة الصحية على نطاق أوسع.
دعوات للتحرك
في ظل هذه الظروف، يطالب المواطنون والناشطون السلطات المحلية والمنظمات الدولية باتخاذ إجراءات عاجلة، تشمل حملات رش واسعة لمكافحة البعوض، توفير الأدوية والمستلزمات الطبية، وتحسين خدمات الكهرباء والصرف الصحي. يؤكد السكان أن التدابير الوقائية يجب أن تكون عاجلة وشاملة، بحيث تشمل معالجة الأسباب الجذرية للأزمة وليس فقط تقديم حلول مؤقتة. المبادرات المجتمعية بدأت تظهر كجزء من جهود الطوارئ، حيث يقوم السكان بتنظيم حملات تنظيف ورش مبيدات بشكل فردي، إلا أن هذه الجهود لا تزال محدودة مقارنة بحجم الكارثة الصحية المتفاقمة. ومع استمرار المناشدات، يبقى السؤال الأساسي: هل ستتحرك الجهات الرسمية والمنظمات الدولية قبل أن تصل الأزمة إلى مرحلة لا يمكن السيطرة عليها؟