كتب/سامي أحمد
تقول أشهر القواعد الأخلاقية والعملية في التعامل مع المسؤولية والفرص "أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي" ولكن يبدو ان الدبلوماسي اليمني قد اعاد تعريفها وفقاً لمزاجه الخاص ومقتضيات الحاجة وجاء متأخراً وكان من الخير (لهم) أن لا يأتي.
خلال الساعات القليلة الماضية حاول نائب وزير الخارجية اليمني"مصطفى النعمان" في لقاء على قناة "العربية" أن يقدم قبلة الحياة لحكومة ما تسمى بالشرعية بعد أن أدخلها "المجلس الانتقالي الجنوبي" إلى غرفة الملاحظة الدقيقة جراء ممارسته العملية السياسية كما ينبغي وكما ينص الكتاب في "اتفاق الرياض" وعلى طريقة "التجربة الجنوبية" بعد سنوات طوال من الصبر السياسي والعسكري والالتزام لمصالح الإقليم والعالم، إلا أن "النعمان" هرول سريعاً وأسرف في التصريحات محملاً المجلس الانتقالي الجنوبي نتائج فشل وتعثر النخب السياسية الشمالية منتشياً بلباقة الحرف ولغة الجسد حتى وجد نفسه أمام سؤال أشبّه بقنبلة منزوع فتيلها من محاور اللقاء الذي فاجئه بطلب تأكيد كلامه عن احتمالية حدوث تحالف بين ("وحدويين الشرعية" وميليشيات الحوثي)، فقال (أنا لا استبعد شي في السياسة) هذا الإجابة كانت كافية لانفجار الموقف واشبه بمن يكشف الستار عن اهم أسرار عدم تحرير صنعاء حتى اليوم، وحولت الرجل من دبلوماسي يمثل دولة و(كيف) يسوق لها إلى سياسي هدفه (ماذا) تريد الدولة تحقيقه.
على الرغم من ان محاور اللقاء ليس متعمق في المشهد السياسي المحلي لكنه أدرك خطورة الكلمات ورفع حاجبيه كاشارة توقف حمراء إلا ان النعمان كان قد وقع في حفرة سياسية (نادراً ما ينجو منها الدبلوماسي في دول تحترم نفسها، ولكن في اليمن الشمالي يتشكل كيفما شاءت الحاجة) جعلته يتحسس سريعاً فداحة ما نطق لسانه وأطلق ابتسامة صفراء كمحاولة لابتلاع كارثة سياسية تصدر من الرجل الثاني في وزارة صلب مهامها اقناع دول العالم بمحاربة الميليشيات بينما هو يروج للتحالف معها، ولكن كانت هذه الكلمات كافية لترسم للمتلقي صورة واضحة ان الرجل اخرج للشمس ما كانت تخفيه غالبية غرف السياسية الشمالية المظلمة، بالتأكيد ان هذه التصريحات لن تجرها الرياح بعيداً بل اضافة مجانية كبيرة وتأكيداً لما هو محفوظ سابقاً في ادراج المراهقة السياسية اليمنية لدى الأشقاء في مملكة الحزم التي أطلقت أكبر عملية عسكرية في التاريخ العربي الحديث خلال الخمسين عام الماضية، لإعادة نعمان وغيره الى مساكنهم ومقار عملهم بينما تتعامل معها نُخب العليمي وكأنها "شاقي" تارةً اطردو الانتقالي من حضرموت وتارة حافظوا لنا على الوحدة وتارة اقصفوا ميليشيات سيد الكهف بينما لسان حالهم (نحن هاهنا قاعدون).
بالنسبة لنا كجنوبيين لم ولن تفاجئنا تصريحات النعمان وخياراته في التصادم مع دول التحالف العربي لأننا ببساطة قد أخذنا جرعة مناعية مدتها ٣٥ عاماً، واعتركنا دهاليز السياسية وشاهدنا بأم العين كيف تتبدل جلود الأفاعي وكيف تحن الحيتان على على الضحية قبل ابتلاع ثرواتها، لكن اليوم نكتشف كيف يمكن أن يتخلى السياسي الشمالي عن مشروع (الوحدة أو الموت) مقابل العيش في كنف المشروع الانقلابي والتحالف معه، وكيف تحولت أولوياتهم من محاربة الخطر الداهم القادم من خارج التاريخ الى أولوية محاربة شعب الجنوب، وكيف تحولت شراكتهم مع دول التحالف العربي إلى عملية ابتزاز سياسي واضح وبهدف واحد إما القبول بوحدة مفروضة، أو مواجهة تحالف مع الخصم الذي حاربتموه جميعاً.
إلى "النعمان" و "الجباري" و"الهجري"ومن يدور في فلكهم إلى يوم يبعثون، أن الابتزاز الذي يمارس من قبلكم ضد دول التحالف العربي لن يأتي أوكله ولو بعد حين، لأن السعودية ليست سوط للإيجار ولا مشروع إبادة مدفوع الثمن في المنطقة، ومشروع سيد الكهف أيدلوجي مغلق لا يؤمن بالشراكة ولا الوطنية ومحاولة التقارب معه ستكون انتحارا سياسياً (للشرعية)ان بقي فيها أحد، ومراهقاتكم تؤكد أن الجنوب لم يكن يوماً شريكاً حقيقياً في مشروع الدولة كما تزعمون، ويكشف أن بعض نخب الشرعية مستعدة للتحالف مع الحوثي لكنها غير مستعدة للاعتراف بإرادة شعب الجنوب، والمجتمع الدولي يدرك أن استقرار الجنوب اليوم لا يتناقض بالضرورة مع إنهاء الحرب، بل قد يكون أحد مفاتيحها وهذا ما يعزز القناعة لابناء الجنوب بأن استعادة دولة الجنوب لم تعد خياراً عاطفياً ، بل مسارا وقائياً لحماية الأرض والهوية والقرار، وحماية دول التحالف العربي من مخاطر تقلباتكم.
سامي أحمد
العاصمة عدن
٢٣ ديسمبر ٢٠٢٥