بقلم: محمد علي محمد أحمد
تمرّ القضايا الوطنية بمخاضاتٍ عسيرة، لكنها في النهاية ترسو على ضفاف الحقائق التي لا يمكن حجبها بغربال المناورات السياسية.
واليوم يقف الجنوب على أرضٍ صلبة، ليس فقط بقوة السلاح، بل بشرعية الإرادة الشعبية التي صمدت أمام عقودٍ من التهميش والقمع، لترسم بوضوح خارطة طريق لا رجعة عنها: «الاستقلال واستعادة الدولة».
إن القراءة المنصفة للمشهد اليوم تتطلب خلع «النظارات السوداء» التي يرى بها البعض الواقع؛ فلا يستوي منطقيًا ولا سياسيًا من ثبت في خندقه مدافعًا عن أرضه وعِرضه، ومن اختار الهروب وترك عاصمته ومؤسساته لتسقط في قبضة المليشيات دون مقاومة تُذكر.
وقد كشفت الأحداث أن هناك قوى تدّعي «الشرعية»، وهي في الحقيقة تفتقر إلى الحاضنة الشعبية والوجود الجغرافي. تلك القوى التي استمرأت حياة المنافي والشتات، حاولت وما زالت تحاول التسلّق على أكتاف الانتصارات الجنوبية المحققة. كما أن منح «الغطاء الشرعي» لنخبٍ سياسية وعسكرية أثبتت فشلها في حماية سيادتها هو استمرار في نهج «الخيار الخاطئ»، الذي لن يؤدي إلا إلى إطالة أمد الصراع.
في حين أثبتت القوات المسلحة الجنوبية والقيادة السياسية في الجنوب أنها الطرف الأكثر موثوقية في محاربة الإرهاب والتصدي للمشاريع التوسعية في المنطقة. وبينما كانت «نخب الفنادق» تتبادل الولاءات والتحالفات المشبوهة، كان الجنوبيون يجسّدون قيم الوفاء مع الأشقاء في التحالف العربي، شركاء في المصير والدم.
إن محاولة فرض «وحدة قسرية» انتهت صلاحيتها منذ عام 1994، ومحاولة مساواة القوى المنتصرة على أرضها بقوى مهزومة فارّة لم تستطع حماية حدودها، هو «تجاهل سياسي» لا يخدم استقرار المنطقة. ولا يمكن بناء سلامٍ مستدام بمشاركة قوى «خائنة» لمهامها الوطنية، تعمل على ابتزاز الحلفاء.
آن الأوان للمجتمعين الدولي والإقليمي أن يتعاملا مع القضية الجنوبية وفق معطيات الواقع، لا وفق أوهام الماضي. فالشعب الجنوبي، الذي انتزع حريته بآلاف الشهداء والجرحى، لن يقبل بأي مبادرات تنتقص من حقه في تقرير المصير، وهو مبدأ أصيل في القانون الدولي. وتجاهله في الحالة الجنوبية يُعد خذلانًا للعدالة الإنسانية، لا سيما أن الجنوب اليوم بات محررًا وقويًا، ومؤسساته الأمنية والعسكرية هي الضامن الوحيد للاستقرار في خليج عدن وباب المندب.
وليعلم الجميع أن القطار قد غادر محطة التبعية، وأن الشعب الجنوبي، الذي حدّد خياراته المصيرية، لم يعد ينتظر إذنًا من أحد لممارسة سيادته على أرضه. لذا ندعو القوى الإقليمية والدولية إلى الكف عن المراهنة على خيول خاسرة، والاعتراف بالحق الجنوبي مدخلًا وحيدًا وأساسيًا لاستقرار المنطقة برمتها؛ فالاستقلال ليس مجرد مطلب، بل واقع مُعمّد بالتضحيات، وعلى العالم أن يحترم هذا القرار قبل أن تتجاوزه الأحداث المتسارعة.