إذا رأيت أحد النحالين يحمل بين يديه كميةً من العسل، فقل فقط: ما شاء الله، تبارك الله. فخلف كل قطرة عسل قصةُ تعبٍ وسهرٍ ومشقةٍ لا يعرفها إلا من عاشها.
أنا مثلاً، لديَّ عشر خلايا، وربما عشرون، أحتفظ بها في منزلي كهوايةٍ أحبها، وأمارسها بشكل مستقر، دون ترحال أو عناءٍ في طلب المراعي. ولهذا لا أنتج العسل بقدر ما أستمتع بمراقبة هذه المخلوقات العجيبة التي تُعلّمنا النظام، والإخلاص، والتعاون.
أما النحالون الحقيقيون، أولئك الذين يرحلون بنحلهم مئات الكيلومترات، من وادٍ إلى وادٍ، ومن جبلٍ إلى جبل، ومن سهلٍ إلى سهل، فهم قصة أخرى من الصبر والعزيمة. يسافرون في الليالي الطويلة، وينامون على قارعة الطرق، في أماكن مهجورة، معرضين لخطر العقارب والثعابين، وقد تكون هناك بعض الوحوش المفترسة، إلى جانب تعب السفر ومشقة الطريق، فقط من أجل أن يوفروا لنا عسلاً نقيًّا خالصًا من روح الأرض الطيبة، ومن رحيق الأزهار الجميلة.
تلك ليست مجرد تجارة رابحة، بل مهنة شريفة، وهواية عميقة، تتحول مع الزمن إلى عشقٍ وإدمانٍ لرؤية المناحل، وسماع أزيز النحل.
إن النحال الحقيقي يدرك أن العسل ليس سلعةً عادية، بل أمانةٌ بينه وبين الله، لذلك فهو يحافظ على جودة إنتاجه، ويصون المهنة من الغش والتلاعب، لأنه يعلم أن الرزق الحلال هو البركة الحقيقية التي تدوم.
تحيةُ احترامٍ وتقديرٍ لكل نحّالٍ يمارس مهنته بإخلاصٍ ونزاهة، ولكل من يسعى في سبيل الرزق الحلال، رغم مشقة الطريق.
نسأل الله أن يبارك في رزقهم، ويحفظ نحلهم، ويجعل في عسلهم شفاءً للناس، وبركةً في الأرض.
عبدالقادر السميطي
دلتا أبين