آخر تحديث :الثلاثاء-14 أكتوبر 2025-01:32ص
أخبار وتقارير


همس اليراع ..14 أوكتوبرثورة خالدة ومكاسب موؤودة

همس اليراع ..14 أوكتوبرثورة خالدة ومكاسب موؤودة
الإثنين - 13 أكتوبر 2025 - 10:24 م بتوقيت عدن
- أبين تايم/خاص

كتب/د.عيدروس نصر

تمر علينا هذه الايام الذكرى الثانية والستين لثورة الرابع من اكتوبر المجيدة هذه الثورة التي جاء انطلاقها تعبيراً عن بلوغ الرفض الجنوبي للوجود الاستعماري ذروته واستعداد الشعب الجنوبي لتحمل أعباء الكفاح المسلح حتى تحقيق الاستقلال واستعادة السيادة وبناء دولة الجنوب الحرة المستقلة وهو ما تحقق بعد أربع سنوات وستة وأربعين يوماً على انطلاق الثورة، في الثلاثين من نوفمبر 1967م.

إن انطلاقة هذه الثورة المجيدة لم تكن معزولةً عما سبقها من مقدمات تمثلت في تلك الانتفاضات والمواجهات مسلحة والتمردات القبلية المتعددة التي شهدتها العديد من مناطق الجنوب في السلطنات والإمارات والمشيخات الجنوبية، وما شهدته عدن وبعض المدن الجنوبية من فعاليات احتياجي تمثلت في المسيرات والإضرابات والاعتصامات الرافضة للسياسات الاستعمارية والمعبرة عن توق الشعب الجنوبي للتحرر والانعتاق من التبعية للسيطرة الاستعمارية واللحاق بالأوطان والشعوب التي حققت حريتها من الاستعمار وشرعت في بناء مستقبلها، ولإن كانت تلك الانتفاضات والمواجهات والتمردات متفرقة ومتباعدة وغير خاضعة لقيادة موحدة على أرض الجنوب إلّا إنها قد أحدثت تراكماً كمياً أثمر في ذلك التحول النوعي المتمثل بانطلاقة الثورة وما اختطته من مسار وما ألحقته بالاستعمار من هزائم وما آلت إليه من نتائج أسطعها كان تحقيق الاستقلال الوطني وإعلان الدولة الجنوبية التي وحدت كل الجنوب بإماراته ومشيخاته وسلطناته في كيان واحدٍ لم يعرفه الجنوب منذ أكثر من ستة قرون.

لم تكن ثورة الرابع عشر من أوكتوبر حالةً عبثيةً كما يصورها بعض المتطفلين على تدوين التاريخ وتفسيره، بل كانت ضرورة موضوعية حتمتها التراكمات المتواصلة لنضالات الشعب الجنوبي على مدى قرن وربع القرن من المواجهات مع التواجد الاستعمار، بمختلف أشكاله على أرض الجنوب.

إن ما ميز ثورة الرابع عشر من أوكتوبر هو إنها كانت تمتلك رؤية سياسية تحدد الاستراتيجية والتكتيك الواضحين بما في ذلك الهدف النهائي، الذي تحقق في إعلان الاستقلال في الثلاثين من نوفمبر1967م كما سبقت الإشارة.

والميزة الأخرى تكمن في إن الثورة التي بدأت مناوشاتها الأولى في جبال ردفان، وقوبلت باستخفاف وهزء السلطات الاستعمارية لم تلبث إن امتدت إلى كل الأرض الجنوبية، ولم ينتصف العام 1967 حتى كانت الجبهة القومية قد احتلت واحداً من أهم المعسكرات الاستعمارية في أكثر المواقع تحصيناً، وهو معسكر آرم بوليس في مدينة كريتر، الذي سمي لاحقا معسكر عشرين يونيو حيث جرى اقتحامه واحتلاله من قبل ثوار الجبهة القومية وأعوانهم في الجيش والأمن الاتحاديين في شهر يونيو من العام 1967م.

* * *

برزت في الآونة الأخير محاولات بعض العابثين من المتطفلين على التاريخ، إثارة مشكلة لا قيمة لها ولا أهمية، وذلك بالقول أن استشهاد القائد المقاوم راجح بن غالب لبوزة، لا علاقة له بثورة 14 أوكتوبر أو أن الثورة لم تنطلق في الرابع عشر من نفس الشهر، وهذا الكلام لا يستحق التوقف عنده إلا من باب إيضاح أن هذا الأمر لن يغير في حقائق التاريخ شيئاً، فثوار الجبهه القومية يقرون بأن الشهيد لبوزه لم يكن ينتمي إلى أي تنظيم سياسي، لكنهُ كان قائداً شعبياً وجماهيرياً معروفاً بتصادمه مع السياسات الاستعمارية، وكان من بين المقاتلين الذين عادوا من صنعاء التي ذهبوا إليها مؤيدين لثورة السادس والعشرين من سبتمبر وقد اعترضتهم القوات الاستعمارية في محاولة لنزع أسلحتهم مما أدى إلى حصول المواجهة واستشهاد القائد لبوزه في الثالث عشر من أوكتوبر وهو ما دفع إلى المواجهة المسلحة التي اندلعت إثر الحادثة بين قبائل ردفان التي ينتمي إليها الشهيد لبوزه وبين القوات الاستعمارية، لكن هذه المواجهات ما لبثت إن تحولت إلى ثورة مسلحة انخرط فيها مقاتلون من مختلف مناطق الجنوب تحت قيادة تنظيم الجبهة القومية الذي كان قد تاسس في أغسطس من نفس العام 1963م ليصبح قائداً لهذه الثورة المسلحة، التي واصلت المسيرة الكفاحية، ثم جاء لاحقا إعلان تأسيس منظمة التحرير، التي أصبحت في ما بعد تحمل اسم جبهة التحرير ومضت الامور كما يعلم حتى يوم الاستقلال الوطني، ولو كانت مواجهات 14 أوكتوبر مجرد مناوشات قبلية لما بقيت أكثر مما بقيت سابقاتها من الانتفاضات القبلية في مناطق مختلفة من أرض الجنوب التي أُخمِدَت أو جرت تسويتها خلال أيام من اندلاعها.

وعلى العموم فإن محاولة الفصل بين حادثة استشهاد الشهيد لبوزة وبين انطلاق الثورة لا تمثل أمراً ذا أهمية تاريخية أو سياسية إذا ما علمنا أن الثورة قد حققت هدفها الرئيسي وهو رحيل الاستعمار وميلاد جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية في الثلاثين من نوفمبر 1967م.

* * *

الاحتفالات بذكرى الثورة الأكتوبرية لا تأتي فقط لمجرد استذكار ذلك النضال العنود والإصرار والعزيمة وقوة الإرادة التي تمتع بها شعبنا في تطلعه لتحقيق حريته، بدعم الاشقاء من الجمهورية العربية اليمنية ومن جمهورية مصر العربية، لكن هذا الاحتفال ينبغي أن يذكِّرنا بذلك البعد السياسي والاجتماعي والإنساني للثورة التي كانت سبباً في توحيد كل الجنوب في إطار دولةٍ واحدةٍ و في حدوث تلك التحولات الاجتماعية التي أخرجت أكثر من 80% من سكان البلاد في أرياف الجنوب من حياة القرون الوسطى في كل ما له صلة بوسائل التعليم والتطبيب والمواصلات والطرقات والحياة المعيشية والثقافية والأمنية والتنفيذية والقضائية، ونقلتهم إلى القرن العشرين بإدخال التعليم المجاني والخدمة الطبية المجانية، وشق الطرقات الحديثة وشبكات المياه والصرف الصحي وخدمات الكهرباء والتموين، والإدارة الحديثة، وغيرها من المنجزات، وكلها لم يكن أبناء الريف الجنوبي، وحتى بعض المدن الجنوبية ليعرفوها لولا ثورة الرابع عشر من أوكتوبر المجيدة.

واليوم من حق أبناء الجنوب أن يتساءلوا:

- أين التعليم المجاني بمستواه الراقي ومحتواه العلمي المواكب للعصر، وأين الأقسام الداخلية ومخصصاتها؟

- أين الخدمة الطبية المجانية ومرفقاتها من الوصفة الدوائية المجانية والفحص والكشف والأشعة والعمليات الجراحية المجانية إلى المنح الطبية للعلاج في الخارج على حساب الدولة الجنوبية؟

- أين مركز الشرطة والبحث الجنائي الذي كان يقبض على المجرم قبل مضي ساعة على ارتكابه لجريمته صغرت أم كبرت؟

- أين القضاء العادل والصارم الذي لا يتغاضى عن جاني ولا يتسامح مع مجرم ولا يتنازل عن حق المجني عليه؟

- أين النظام والقانون المطبق على الكبير قبل الصغير وعلى الوزير قبل الغفير؟

- أين الضمان الاجتماعي والرعاية الاجتماعية للطبقات المستضعفة وذوي الاحتياجات الخاصة؟

- وأين رعاية الأمومة والطفولة، وأين رياض الأطفال ودور الحضانة؟

- أين الكهرباء ومياه الشرب النظيفة وشبكة الصرف الصحي والخدمات البلدية المختلفة؟

- بل وأين الراتب يا هؤلاء . . .وأين وأين وأين؟

لقد جرى وأد وتدمير كل تلك المنجزات التي تحققت بفضل ثورة الرابع عشر من أوكتوبر، وتم إسدال الستار على تاريخها، وجرى التخلي مبادئ وقيم الثورة وأهدافها، وتزييف تاريخها وكل تاريخ النضال الجنوبي علي أيدي أولائك الذين سيحتفلون معنا، بل ونيابةً عنا وباسمنا غداً بهذه المناسبة التي لا تربطهم بها سوى العلاقة العدائية ونزعة الكراهية لها ولرجالها ولتاريخها ومنجزاتها، مصدقين أنفسهم بأنهم قد أتقنوا اللعبة القذرة وخدعوا الشعب الجنوبي بأقاويلهم التي لا تنطلي حتى على أطفال الصفوف الأولى من المرحلة الابتدائية وهم لا يعلمون أن الشعب الذي هزم الإمبراطورية العظمى التي لم تكن "تغيب عنها الشمس" يمتلك من القدرة ما يمكنه من استعادة دولته وتنطيف أرشيفه من المتطفلين والغزاة ومزوري التاريخ وناهبي الخيرات والعابثين بقيم ومنجزات وهوية شعبنا الجنوبي الأبي.

المجد لثورة الرابع عشر من أوكتوبر في ذكراها الثانية والستين.

الخلود لشهداء ثورة أوكتوبر وكل الشهداء الجنوبيين.

والعار والهزيمة لأعداء الثورة وسارقي تاريخها.

والنصر للشعب الجنوبي في نضاله العادل من أجل استعادة دولته وحريته وسيادته على أرضه.