كتب/م. عبد القادر السميطي – دلتا أبين
في أبين، حيث تمتزج رائحة السدر والسمر مع أنفاس الريح، وحيث يرقص النحل فوق أزهار الأكاسيا والسدر – شجرة المليون زهرة – هناك حكاية من ذهب تُروى كل يوم. إنها حكاية نحّالٍ أبينيٍّ يخرج فجرًا إلى مناحله، يحمل بين يديه الأمل، وعلى كتفيه تعب السنين، وفي قلبه عشق لا ينطفئ لهذه المملكة المباركة التي جعل الله في عسلها شفاءً للناس.
أبين ليست مجرد محافظةٍ زراعية، إنها بيت النحل اليمني بلا منازع. فهي الأولى في إنتاج طرود النحل، والثانية في إنتاج العسل وعدد خلاياه على مستوى البلاد، إذ تمتلك أكثر من 226,255 خلية بين بلديٍّ ومحسَّنٍ وحديث، يمتلكها حوالي 16 ألف نحّال يعملون في هذه المهنة، ويُقدَّر إنتاجهم من العسل بحوالي 322,102 كيلوجرام، وفقًا لإحصائيات عام 2023م.
وهناك آلاف آخرون يمارسون مهنة النحالة كهواية، حبًّا في النحل وصبره ونظامه العجيب.
أبين، دون منافس، تمتلك أسواقًا خاصة لبيع وشراء طرود النحل في معظم مديريات المحافظة، وفي الوقت نفسه توجد محلات مخصصة لبيع وشراء العسل في جميع مديريات أبين، وهذا دليل قاطع على أن أبين هي بيت النحل وبيت العسل دون منازع.
وليس غريبًا أن تجد في أبين مناحل بين الأشجار، وأخرى على ضفاف الأودية، وثالثة في بطون الجبال. فالمهنة هنا شاقة لكنها مفعمة بالعزيمة.
ويُقال في المأثور الشعبي:
> "من أراد العسل فليصبر على قرصة النوب."
كلمات تختصر رحلة الكفاح الطويلة في مواجهة حرارة الشمس، ولسعات النحل، ومخاطر الطريق، بل وحتى السيول والعواصف التي تداهم المناحل دون إنذار.
كما يتعرض النحالون أيضًا لخطر الأفاعي والعقارب والحشرات السامة التي قد تزيد من خطورة ممارسة هذه المهنة، وقد يخسر النحال حياته وكل ما يملك.
ألم نسمع عن مخاطر البشر من قطاع الطرق الذين يبتزون النحالين ويسلبون خلاياهم، فيخسر بعضهم رأس ماله ويعود صفر اليدين، إن سلم من فقدان حياته؟
وبرغم خطورة هذه المهنة، إلا أنه لا يمارسها إلا إنسان شجاع هادئ الطباع، محبٌّ للمغامرة، صبور كما ينبغي أن يكون.
ورغم كل ذلك، فإن النحل في أبين لا يتوقف عن العطاء، فهو لا يمنحنا العسل فقط، بل يمنح الحياة للنباتات بتلقيحه أزهارها، فيزيد من إنتاج الأرض ويجعلها تثمر خيرًا كثيرًا.
لكن الحقيقة المُرّة أن الدعم الرسمي شبه غائب؛ فالنحالون يفتقرون لأبسط أدوات العمل: البدلات الواقية، والأقنعة التي تحميهم من لسعات النحل المؤلمة، والخلايا الحديثة، وحتى أواني التعبئة الصحية.
ومع ذلك يواصلون العمل بما توفر لديهم، مستخدمين خلايا مصنوعة من جذوع الأشجار القديمة، وخبرات متوارثة من الآباء والأجداد.
ورغم التغيرات المناخية القاسية التي تضرب المنطقة من أعاصير وجفاف وسيول، يظل النحال الأبيني واقفًا شامخًا كجبلي عيبان وشمسان، صامدًا في وجه الطبيعة، مؤمنًا بأن رزقه في جناح نحلةٍ صغيرةٍ لا تعرف اليأس.
إنها أبين الخير... بيت النحل، وكنز العسل، وموطن الصبر الجميل.
ومن أراد أن يعرف سر الذهب اليماني، فليأتِ إلى أبين... فهناك ينبض قلب النحل، وتتنفس الأرض رحيق الحياة.