آخر تحديث :الأحد-04 مايو 2025-05:45م
عربي ودولي


لهيب الصراع المميت.. تاريخ الدم والنار بين الهند وباكستان

لهيب الصراع المميت.. تاريخ الدم والنار بين الهند وباكستان
الأحد - 27 أبريل 2025 - 10:47 م بتوقيت عدن
- أبين تايم/ وكالات

حين ولدت الهند وباكستان من رحم الاستعمار البريطاني، لم تكن قُراهما تعرف أن استقلالهما سيكون بداية رحلة دموية طويلة من الصراع، لا نهاية قريبة لها، فالخطٌ الفاصل الذي رسمته الخرائط السياسية لم يكن كافيًا لوقف أنهار الدماء بين البلدين، ولا لمنع الجبال الشاهقة من أن تصبح جبهات قتال.


فعلى مدار أكثر من 7 عقود، تعاقبت الحروب والاشتباكات الدموية بين الجارتين النوويتين، ولا تزال منطقة كشمير، بجمالها الفاتن ووديانها العميقة، شاهدةً على واحدة من أطول النزاعات وأكثرها تعقيدًا في التاريخ الحديث، وفي هذا التقرير نرصد محطات الصراع المميت وتفاصيل الحروب والاتفاقيات والدماء التي كتبت تاريخ الدولتين.


بداية النزاع (1947–1948)

مع استقلال الهند وباكستان عن الإمبراطورية البريطانية عام 1947، بدأت أولى صفحات الصراع الدموي، فلم يمرّ تقسيم شبه القارة الهندية بسلام، إذ قُتل نحو نصف مليون إنسان في أعمال عنف طائفية، وشُرّد قرابة نصف مليون آخرين، في واحدة من أكبر حركات النزوح في القرن العشرين.


في قلب هذا الجرح الغائر، كانت كشمير الجبلية، الغنية بجمالها والمقسمة بين الهند وباكستان، الشرارة الأولى، فرغم أنّ غالبية سكان كشمير كانوا من المسلمين، إلا أن حاكمها الهندوسي، المهراجا هاري سينج، فضّل الانضمام إلى الهند، ما دفع باكستان لدعم تمرد إسلامي داخل الإقليم في أكتوبر 1947.


طلب المهراجا دعم الهند عسكريًا مقابل إعلان الانضمام إليها، ما أشعل حربًا ضارية انتهت في الأول من يناير 1949 بإنشاء خط وقف إطلاق النار، الذي أصبح لاحقًا خط السيطرة الذي يفصل بين شطري كشمير.



الحرب الثانية (1965)

لم تهدأ نار النزاع طويلًا، ففي أبريل 1965، تفجر نزاع حدودي جديد تطور إلى قتال واسع النطاق، وفي أغسطس من العام نفسه، شنّت باكستان هجومًا سريًا عبر خط وقف إطلاق النار إلى المناطق التي تسيطر عليها الهند في كشمير، لكن الرد الهندي كان عنيفًا، حيث عبرت القوات الهندية الحدود الدولية باتجاه لاهور.


وتدخلت الأمم المتحدة لاحقًا لفرض وقف لإطلاق النار، إلا أن جذور العداء كانت قد تعمّقت أكثر.


حرب 1971 وانفصال بنجلاديش

بعد ست سنوات فقط، اندلع صراع جديد لا يقل عنفًا عن سابقه، إذ طالبت باكستان الشرقية، التي تفصلها الهند عن باكستان الغربية، بالاستقلال، ومع تصاعد العنف إلى حرب أهلية شاملة، لجأ نحو عشرة ملايين شخص إلى الهند، ما وفّر لنيودلهي ذريعةً للتدخل العسكري المباشر.


انتهت الحرب باستسلام الجيش الباكستاني في دكا، وأسر أكثر من 90 ألف جندي كأسرى حرب لدى الهند، وفي 6 ديسمبر 1971، أُعلنت باكستان الشرقية رسميًا كدولة بنجلاديش المستقلة، ولم تعترف باكستان بالدولة الجديدة إلا بعد ثلاث سنوات، في 1974.


اشتعال كشمير (1989)

شهدت نهاية ثمانينيات القرن العشرين موجة جديدة من العنف، وأدى الاستياء المتزايد من الحكم الهندي ووصول المقاتلين الإسلاميين إلى كشمير، بعد انسحاب الاتحاد السوفييتي من أفغانستان، إلى اندلاع تمرد مسلح عام 1989.


ورغم أن باكستان ادعت أنها تقدم دعمًا معنويًا ودبلوماسيًا فقط للانفصاليين، إلا أن الهند اتهمتها صراحةً بتدريبهم وتسليحهم. خلال عقد التسعينيات، تحولت النزعة الانفصالية في كشمير من مطالب قومية إلى حركة إسلامية الطابع.



رئيس الوزراء الهندي مودي

نزاع كارجيل (1999)

في عام 1999، اندلع صراع جديد عندما تسللت قوات مدعومة من باكستان إلى منطقة كارجيل، الخاضعة لسيطرة الهند، وشنت الهند غارات جوية مكثفة ضد المتسللين، مما أدى إلى تصعيد المواجهة إلى شبه حرب شاملة.


اضطر عشرات الآلاف من السكان إلى الفرار من منازلهم على جانبي خط وقف إطلاق النار. وفي أواخر العام نفسه، استولى الجنرال برويز مشرف على السلطة في باكستان عبر انقلاب عسكري.


هجمات (2001–2002)

في أكتوبر 2001، استهدف هجوم عنيف مجلس كشمير في سريناجار، ما أسفر عن مقتل 38 شخصًا، وبعد شهر واحد فقط، وقع هجوم آخر استهدف البرلمان الهندي في دلهي، أسفر عن مقتل 14 شخصًا.


اتهمت الهند المسلحين المدعومين من باكستان بالوقوف خلف الهجمات، ما أدى إلى حشد ضخم للقوات على طول الحدود المشتركة. في يناير 2002، وعد الرئيس الباكستاني برويز مشرف بعدم السماح للجماعات الإرهابية بالعمل من الأراضي الباكستانية، داعيًا إلى حوار مع الهند لحل النزاع حول كشمير. غير أن نيودلهي تمسكت بضرورة اتخاذ خطوات عملية قبل أي مفاوضات.


تفجيرات (2008–2019)

في عام 2008، نفذت جماعة "لشكر طيبة" المسلحة، التي تتخذ من باكستان مقرًا لها، هجومًا مروعًا على مدينة مومباي الهندية، واستمر الهجوم لعدة أيام، وأسفر عن مقتل 166 شخصًا، حمّلت الهند الاستخبارات الباكستانية مسؤولية الدعم، وهو ما نفته إسلام آباد.


وفي فبراير 2019، قُتل 40 جنديًا هنديًا في تفجير انتحاري بكشمير، وردت الهند بشن غارات جوية على معسكر لتدريب المسلحين داخل باكستان، وردًا على ذلك، نفذت باكستان غارات مضادة وأسقطت طائرة هندية وأسر طيارها، قبل أن تطلق سراحه لاحقًا في خطوة خففت حدة التصعيد.


لاحقًا في العام ذاته، ألغت حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الوضع الخاص لكشمير، وأخضعتها لإجراءات أمنية صارمة، فزادت القيود على الحريات المدنية وفرضت رقابة مشددة على الإعلام.


والجمعة الماضي 25 أبريل الجاري، تدهورت العلاقات بين الهند وباكستان في أعقاب هجوم مسلح مميت في الجزء الذي تديره الهند من كشمير والذي أثار أعمال انتقامية متبادلة وأثار مخاوف من تصعيد عسكري آخر بين الدولتين النوويتين.



رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف

التسلح النووي.. سباق نحو الحافة

بينما كانت نيران النزاع مشتعلة، كانت سباقات التسلح تسير بوتيرة متسارعة. أجرت الهند أول تجربة نووية لها عام 1974، تلتها تجربة ثانية عام 1998. ولم تتأخر باكستان كثيرًا، إذ أجرت تجاربها النووية الخاصة في العام نفسه.


ومنذ ذلك الحين، تكدست الترسانات النووية للبلدين بمئات الرؤوس النووية وأنظمة الإطلاق المتطورة والطائرات القتالية الحديثة، في ظل تحذيرات دولية مستمرة من أن أي نزاع واسع قد ينذر بكارثة نووية غير مسبوقة.


منذ لحظة ولادتهما وحتى اليوم، ظلّت الهند وباكستان عالقتين في دائرة مفرغة من الكراهية والدمار، فكشمير ليست مجرد قطعة أرض، بل أصبحت رمزًا لصراع أيديولوجي، طائفي، وسياسي عميق الجذور، وعلى الرغم من المحاولات المتعددة للسلام، فإن تاريخ النار والدم بين الجارتين لا يزال يلقي بظلاله الثقيلة على حاضر ومستقبل المنطقة بأكملها


/القاهرة الإخبارية - عبدالله علي عسكر