آخر تحديث :الأربعاء-28 مايو 2025-04:55ص
وثائقيات


عبقرية السادات.. لا حرب ولا سلم

عبقرية السادات..  لا حرب ولا سلم
الثلاثاء - 27 مايو 2025 - 05:20 ص بتوقيت عدن
- أبين تايم/ متابعات

في صيف عام 1972، تحت سماء القاهرة الحارة، جلس الرئيس أنور السادات في غرفة مغلقة مع كبار قادة المخابرات المصرية، يتقدمهم المشير أحمد إسماعيل. كانت الغرفة مليئة بالتوتر والطموح، فالجميع يعلم أن مصر لا تزال تعاني وطأة هزيمة 1967، وأن استعادة الكرامة تتطلب خطة ليست مجرد هجوم عسكري، بل خدعة تاريخية تُعمي عيون العدو. هكذا بدأت قصة خطة الخداع الاستراتيجي التي ستغير وجه المنطقة.

كانت الفكرة بسيطة في جوهرها لكن عبقرية في تنفيذها: إقناع إسرائيل بأن مصر لا تفكر في الحرب، بينما تستعد لها بكل قوتها. السادات، بعبقريته السياسية، أطلق شعار "لا حرب ولا سلم"، كلمات غامضة أربكت المحللين الإسرائيليين. هل مصر جادة في السلام؟ أم أنها غارقة في ضعفها؟ لتعزيز هذا الغموض، أرسل وزير الخارجية المصري، محمد حسن الزيات، إلى نيويورك في 5 أكتوبر 1973 للقاء هنري كيسنجر، يتحدثان عن "مبادرة سلام" مزعومة. كانت الكلمات دبلوماسية، لكنها في الحقيقة ستار دخان يُخفي المدافع التي تُجهز على ضفاف قناة السويس.

في الإعلام، كانت مصر تُخرج مسرحية متقنة. تسريبات متعمدة وصلت إلى المو..ساد تفيد بأن مصر ستجري مناورات عسكرية روتينية في أكتوبر، لا أكثر. صور نشرتها الصحف أظهرت جنودًا مصريين يتناولون قصب السكر ويتبادلون الضحكات على ضفاف القناة، كأنهم في نزهة وليس على أعتاب حرب. وراء الكواليس، كانت تعليمات صارمة تُفرض: لا كلمة عن الحرب، لا إشارة قد تُفسد المفاجأة.

عسكريًا، كانت الخطة تحفة فنية. تحت اسم "مناورة تحرير"، تحركت القوات والدبابات والمدافع نحو الجبهة، لكن ببراءة التدريبات. الجنود أُمروا بالظهور في حالة استرخاء: صيد السمك، تناول البرتقال، أي شيء يوحي بأن الحرب هي آخر ما يفكرون به. حتى المناوشات على الجبهة خفتت، فبدت القناة هادئة كبحيرة ساكنة. وفي اختيار عبقري، حددت القيادة المصرية الساعة الثانية ظهرًا في 6 أكتوبر، يوم الغفران اليهو..دي، موعدًا للهجوم. إسرائيل، المشغولة بصلواتها، لن ترى العاصفة قادمة.

اقتصاديًا، لعبت مصر دور الضعيف. تقارير مُسربة تحدثت عن أزمات مالية، كأن مصر بالكاد قادرة على إطعام شعبها، فكيف لها أن تمول حربًا؟ في الوقت نفسه، ظلت الأسواق تعج بالحركة، والسياح يتجولون في الأهرامات، كل شيء يوحي بأن الحياة طبيعية، وأن الحرب ليست في الحسبان.

المخابرات المصرية كانت العقل المدبر. عملاء مزدوجون غذّوا إسرائيل بمعلومات مضللة، بينما رصدت المخابرات تحركات العدو بدقة. كل خطوة كانت محسوبة، كل كلمة مدروسة. وعندما دقت ساعة الصفر، انطلقت القوات المصرية كالسهم، عبرت قناة السويس، وتحطم خط بارليف كحلم زجاجي. إسرائيل، التي تفاجأت بالهول، لم تجد سوى الاعتراف بالهزيمة الأولى. غولدا مائير وقادة الموساد أقروا لاحقًا: لقد خُدعنا.

هكذا، بتخطيط عبقري وتنفيذ محكم، استطاعت مصر أن تكتب ملحمة أكتوبر 1973، ليس فقط انتصارًا عسكريًا، بل درسًا في فن الخداع، أعاد للأمة كرامتها وأثبت أن الذكاء قد يهزم القوة.