كتب/ الشاعر أمين المَيْسَرِي
تعرّفتُ إلى أستاذي الشاعر والمترجم والتربوي عبدالله فاضل فارع(1926م – 2008م) سنة1998م في السنة التحضيرية للماجستير في كلية التربية العليا/ جامعة عدن. كان حينها يدرّس لنا مادة ترجمة القرآن الكريم للإنجليزية. لكن قبلها كنت قد عرفته ماترجمه عن سلسلة المسرح العالمي،وهي السلسلة التي كانت تصدرها دولة الكويت في الثمانينيات. وكان قد ترجم عن هذه السلسلة مسرحية أظن اسمها(عسكر وحرامية). لكنّني لم أعرف أنه كان يكتب النص الغنائي بشقيه الفصيح والعامي إلا في وقت متأخر. وعلى الرغم من أنها نصوص قليلة جداً إلا أنها كانت مهمّة في ارتقاء الذائقة بالنص الغنائي العدني واليمني.
الليلة أريد أن أقف مع نص غنائي جميل كتبه شاعرنا عبدالله فاضل فارع وهو نص أغنية(بروحي وقلبي) وكنت أظنه نصّاً عاميا،ولكنّه في الحقيقة نص فصيح من السهل الممتنع. أنا حقيقة لاأدري متى كُتُب هذا النص؟ ومتى لحنه الفنان الكبير محمد مرشد ناجي؟لكن كما يبدو لي من استماع للأغنية يبدو أن التسجيل من تسجيلات الإذاعة القديمة. فهل لي أن أرجّح أن الأغنية من أغاني الستينيات أوالسبعينيات؟
عموماً الأغنية فيها بناء عروضي مدهش ونقلات لحنية متعدّدة. قبل أن أبدأ بالتعليقات. أضع النص كاملا كما جاء في كتاب(غنائيات المرشدي)(1):
بروحي وقلبي بعيني ولبّي
بروحي فديتك بقلبي هويتك
بعيني حويتك بلبي وعيتك
بروحي.. وكم رخص الحب غالي.. فديتك
بقلبي.. وقد كان مرتاح خالي.. هويتك
بعيني.. وقد كانت تنام الليالي.. حويتك
بلبي.. وقد كان ساهي وسالي.. وعيتك
ولمّا وعيتك وبقلبي هويتك
وعيني حويتك وروحي فديتك
مسى الروح طائر.. يهيم في كمالك.. يحوم في ظلالك
مسى الطرف ساهر.. يسامر خيالك.. ويرعى جمالك
مسى القلب عامر.. بذكرى دلالك .. وبشرى وصالك
مسى اللب حائر.. بفحوى خصالك.. ونجوى جلالك
وأمسيت تنساب:
في اللب فكره
وفي القلب نبره
وفي الطرف نظره
وفي الروح خطره
وأسعدت روحي
وأسعدت قلبي
وأقررت عيني
وهدأت لبي
فأنت بروحي
وأنت بقلبي
وأنت بلبي
نص غنائي مفعم بالحب،كل الحب، فهو يضعه الشاعر في كل جوارحه:في قلبه،في روحه،في لبه،في عينه.......الخ
ثم ينتقل الشاعر إلى المقطع التالي:وهو كيف هام به في سهر الليالي،بذكر خياله وجماله ودلاله وحيرته......الخ:
مس الروح طائر يهيم في كمالك يحوم في ظلالك
مس الطرف ساهر يسامر خيالك ويرعى جمالك
مس القلب عامر بذكر دلالك وبشرى وصالك
مس اللب حائر بفحوى خصالك ونجوى جلالك
كما ذكرت- سابقا – النص من الفصيح السهل الممتنع جدا. وقد جاء عروضيا على بحر المتقارب(فعولن فعولن) ومعروف أن بحر المتقارب يأتي كاملا ومجزءاً. هنا الشاعر عبدالله فاضل فارع استطاع أن يأتي لهذا البحر بتفعيلتين(فعولن فعولن):
بروحي وقلبي بعيني ولبّي
فعولن فعولن فعولن فعولن
وهكذا يسير النص على هذه التفعيلة من بحر المتقارب.
لكن دعونا ننظر إلى بناء النص ثانية فقد سار فيه مايشبه نظم الموشحات أو مايسمّى بالشعر(الحميني) في اليمن. ومعروف في اليمن يوجد شعر حميني،وهو عامي بعضه قريب إلى الفصحى،وشعر حكمي فصيح. فنص الشاعر عبدالله فاضل فارع أقرب – أقول ربّما – إلى نظم الشعر الحميني الفصيح فقد بدأ بالمطلع أو الأغصان،أو الدور.
في اللب فكره
وفي القلب نبره
وفي الطرف نظره
وفي الروح خطره
وأسعدت روحي
وأسعدت قلبي
وأقررت عيني
وهدأت لبّي
فأنت بروحي
وأنت بقلبي
وأنت بعيني
وأنت بلبي
كل هذه الأغصان(فعولن فعولن).
أما اللحن فقد أبدع المرشدي فيه أيما إبداع،وقد كان مواكبا لكل تفاصيل النص،وأعطاه أكثر جمالية وروحية.
أمين الميْسَري
23يونيو2024م
مدينة عدن
هامش:
راجع(1)كتاب غنائيات المرشدي الناشرمركز عبادي للدراسات والنشر صنعاء الجمهورية اليمنية الطبعة الأولى1998م.