آخر تحديث :الأحد-04 مايو 2025-10:38م
وثائقيات


رحلة الأهوال البحرية التي قام بها طلاب مدرسة جعار إلى حضرموت يرويها الاستاذ منصور العطوي

رحلة الأهوال البحرية التي قام بها طلاب مدرسة جعار إلى حضرموت  يرويها الاستاذ منصور العطوي
الإثنين - 28 أكتوبر 2024 - 07:25 ص بتوقيت عدن
- أبين تايم/ وثائقيات

لقاء وإعداد /نائف زين ناصر


في العام 1968م بعد الاستقلال الوطني تقدم معلمو وطلاب فرقة الكشافة في مدرسة جعار الابتدائية بطلب رحلة بحرية إلى حضرموت فتمت إجراءات الرحلة وذهب عددا من الطلاب ومدير المدرسة ومجموعة من المعلمين هذه الرحلة الا انها لم تكن مجرد رحلة بحرية عادية ولمعرفة تفاصيل وأحداث هذه الرحلة وما حدث خلالها وبعدها تحدث التربوي القدير الاستاذ /منصور محمد العطوي الذي كان وقتها مديرا للمدرسة عن هذه الرحلة البحرية و تفاصيلها اضافة الى تطرقه وتناوله لجملة أحداث ومحطات وتفاصيل تاريخية في سياق حديث الذكريات وبدأ حديثه قائلا :

"كنت مديرا لمدرسة جعار الابتدائية بعد الاستقلال عام 1968م وتقدم معلمو وطلاب فرقة الكشافة بطلب رحلة بحرية إلى حضرموت فذهبت إلى قيادة البحرية بمدينة التواهي وحصلت على موافقة قائد البحرية وكان اسم قائد البحرية "قائد" وحدد لنا موعد حضور الفرقة وعلى أساس ذلك تم نقلهم مساء اليوم السابق للموعد إلى مقر جمعية الكشافة في الخليج الأمامي بعدن للمبيت وصباح يوم الرحلة تم نقلهم إلى رصيف الميناء وخصص زورق "جبله" لنقل الكشافة يرافقها يوسف بن علوي رئيس جبهة عمان والخليج العربي المحتل ورفاقه وزورق "الديرك " يحمل اسلحة وذخائر والغام دعما لجبهة تحرير عمان والخليج العربي المحتل وكان وزير الدفاع في ذلك الوقت الرفيق /علي سالم البيض وابحر الزورقان في خليج عدن وكان الجو صحوا وهادئا ولطيفا والطلاب يرقصون على سطح الزورق "جبله" وجبال صيره المحيطه بمدينة عدن تسلب الالباب ..عدن جوهرة ثمينة ولكن للأسف بيد فحام ...

بعد ذلك قدم لنا طعام الغداء والطلاب في غاية السعادة والمرح بشكل كبير جدا إلا ان الحال تغير فجاة عند الخامسة مساءا وتحول المرح والسعادة إلى خوف ورعب بسبب خلل فني طارئ حدث للزورق جبله الذي اخذ يجنح ويميل بشدة حينا إلى اليمين وحينا آخر إلى اليسار وأبلغ قبطان الزورق قيادة البحرية في عدن بذلك الخلل واشتداد العواصف وارتفاع الامواج العاتية وصار الزورق وركابه في خطر شديد وتكاد الامواج العاتية ان تغمر غرف الزورق بالمياه مما دفع المعلمين إلى جمع الطلبة على سطح الزورق والتفوا حولهم خوفا من سقوطهم في البحر وحينما اشتد الخطر طلب يوسف بن علوي من القبطان الابحار بمحاذاة الشاطئ إذ كان يتوقع غرق الزورق بمن فيه في البحر ولا توجد وسائل للنجاه سوى قارب واحد يقع على سطح الزورق وعيون الخائفين شاخصة نحو هذا القارب .

ويتابع الاستاذ منصور حديث الذكريات وما تم بعد ذلك قائلا :

"أرسلت قيادة البحرية قطع الغيار مع الضابط البحري رشيد مشهور إلى المكلا وكان في استقبالنا قائد بحرية حضرموت الذي رتب لنا السكن ونقلنا إلى داخلية مدرسة المكلا المتوسطة خارج سدة المكلا التي حطمها عديمي الثقافة بتاريخ الوطن 'وفي صباح اليوم الثاني من وصولنا كان البرنامج زيارة المدينة والإطلاع على معالمها ومساجدها التاريخية وقصر السلطان ومناطق خلف والديس والشرج وقصر الغويزي التاريخي مدخل المكلا الشمالي وفي المساء زارنا الاستاذ/محمد سعيد مديحج مشرف مخيم كشافة حضرموت في منطقة المنورة مرحبا بقدوم طلبة كشافة جعار وطلب منهم مشاركة إخوانهم كشافة منطقة المنورة للأيام المتبقية منه وقبلنا دعوته الكريمة وشكرناه على ذلك وفي صباح اليوم الثاني توجهنا إلى مخيم المنورة وشاركنا في جميع نشاطاته المختلفة والسهرات المسائية التي أقيمت وفي مساء اختتام المخيم أقيم حفل أدبي وفني ساهر ومسرحيات واغاني على مسرح سينما المكلا خارج سدة المكلا وحضر الحفل الفني الساهر مدير عام المعارف وقائد البحرية ومشرف مخيم الكشافة الاستاذ /محمد سعيد مديحج وبعد ذلك وفي صباح اليوم الأول لانتهاء المخيم زرنا مدينة غيل باوزير ومعالمها وقصر السلطان (الباق) ومدرسة غيل باوزير المتوسطة التاريخية وكان المبنى من اللبن وهذه المدرسة تخرج منها عددا كبيرا من حكماء وعلماء وسياسيي حضرموت وكذا ادباء وشعراء منهم حسين ابوبكر المحضار "رحمه الله " وغيرهم الكثيرين ..ثم زرنا مدينة شحير ومنطقة الماء الحامي تبا له وأخيرا زيارة مدينة الشحر عبر مدخلها سدة الشحر التاريخية والعودة إلى المكلا عبر طريق خلف المكلا وفي اليوم الأخير لزيارة المكلا توجه الفريق لزيارة ميفع حجر عبر منطقة فوه الخالية من السكان تماما في ذلك الوقت ..48عاما مضت من عام 1968-2016م اسست المدينة الجديدة بعد ذلك وصارت اكبر مدن ساحل حضرموت وفيها جامعة حضرموت اكبر جامعات الجنوب ويدرس فيها مئات الدكاترة الذين تخرجوا من العديد من جامعات العالم ويحملون مؤهلات علمية عالية في جميع التخصصات وتضم كلياتها آلاف الطلاب والطالبات وفيها مستشفى ابن سيناء الذي شيدته دولة الكويت الشقيقة ويعمل فيه مئات الأطباء في مختلف التخصصات ويحال كثير من المرضى بالأمراض المستعصية إلى مستشفيات حضرموت من عدن ومحافظات أخرى ".


ويواصل الاستاذ منصورحديثه :

"مررنا بعد ذلك بمدينة بروم الرابضة في حضن الجبل غربا ويحيط بها البحر من الشرق وهو موقع مناسب لإقامة ميناء بحري كبير يساعد في تخفيف ازدحام السفن بميناء المكلا كما يوجد فيها منجم الذهب الذي اكتشفه الروس وكانت تنقل حجارة سرا بواسطة السفن السوفيتية إلى الاتحاد السوفيتي ..ثم زرنا قرية "ميفع حجر" التي تظللها أشجار النخيل و منازلها من القش والقليل من (اللبن )وفي جنوب القرية أراضي زراعية خصبة وفي شمال القرية يوجد سد باتيس لتصريف المياه المنحدرة من أعالي جبال وادي حجر المشهور بزراعة النخيل المنتج لثمرة تمر حجر المشهور في لذته ومذاقه وفي المساء عدنا إلى المكلا وفي صباح اليوم الأخير توجهنا إلى الميناء وكان في و داعنا قائد البحرية ومدير عام المعارف ومشرف الكشافه بحضرموت الاستاذ /محمد سعيد مديحج ترافقنا فرقة فنية حضرمية اعتقد بقيادة الفنان / محمد جمعه خان"رحمه الله " الذي كان يعزف بالعود والفرقة تضرب الدربوجة والدفوف والطلبة يغنون ويرقصون على سطح الزورق فرحانين بعودتهم سالمين وكان البحر هادئا والجو لطيف والزورق يبحر بسرعة هائلة في البحر وعلم الضابط رشيد مشهور في عدن بعودة الطلاب فعاد إلى جعار يبشر الأهالي بموعد وصولهم إلى عدن وبعد وصولنا إلى عدن توجهنا مباشرة إلى جعار عبر ساحل أبين ومطلع الكود وكان مئات الآباء والأمهات في استقبال فلذات اكبادهم وكان الموقف مؤثرا عند عناق الآباء والأمهات لا بنائهم ودموع الفرح تنهمر من عيون الجميع وزغاريد الأمهات تصدح بسعادة وفرحة غامرة وفي مدخل جعار خرج معظم السكان لاستقبال ابناء مدينتهم مسرورين بعودتهم سالمين واختلط أصوات المستقبلين بزغاريد الامهات بدخان البخور الذي غطى ساحة الاستقبال ".

ويضيف الاستاذ منصور مختتما حديث الذكريات وعن هذه الرحلة وما حدث فيها قائلا :

"مرت سنوات طويلة جدا على تلك الرحلة البحرية وكنت قد نسيت الرحلة وأهوالها وبعد مرور 45عاما حدثت مؤخرا حادثة غرق سفينة كورية جنوبية قبل عام عامين تقريبا وعلى متنها مئات الطلاب والمعلمين واستقرت السفينة في أعماق البحر وغرق المئات ونجا المئات منهم بمن فيهم مدير المدرسة مشرف الرحلة والذي لم يتحمل هذه الكارثة التي حدثت فرمى بنفسه في البحر ملتحقا بمن غرقوا ..تذكرت رحلة المكلا البحرية والرياح والعواصف وما حصل للزورق الذي نقل الطلاب وكيف سيكون موقفي في حال حدث مكروه للطلبة مرت أمامي بعد أكثر من 45 عاما كل هذه الذكريات ومر أيضا موقف مشرف طلاب كوريا ..هل سيكون موقفي مثل موقف المشرف الكوري في حال حدث اي مكروه للطلاب الذين انا مشرف عليهم واذا لم أقدم على عمل مثله فكيف سيكون موقفي أمام أولياء أمور وأمهات الطلاب ..هل سيغفرون لي ام ماذا سيكون مصيري ..لكن ولله الحمد قدر الله وماشاء فعل ورغم أهوال تلك الرحلة البحرية عام 1968م ذهبنا سالمين من جعار وعدنا اليها سالمين ولا أخفيك سرا اني عندما عرفت حادثة غرق طلاب كوريا مكثت ايام قلقا والسهر يلازمني ولعلي هنا أقولها للقارئ في إطار عام (احرص على أن لا تقوم بعمل غير مدروس و غيرمحسوب العواقب لان اي عمل غير مدروس وغير محسوب العواقب يعتبر مغامرة نتائجها في الغالب وخيمة ) وأعود إلى موضوع الزورقان فقد وصلا بعد ذلك الى حدود عمان وترجل يوسف بن علوي ورفاقه وتم إنزال السلاح من زورق الديرك وعلم السلطان قابوس بن سعيد الذي كان من خريجي مدرسة جبل حديد بعدن وزميل أبناء سلاطين ومشائخ الجنوب ومن زملاء السلطان قابوس في مدرسة جبل حديد بعدن الشيخ /محمد بن فريد بن محسن العولقي -وزير خارجية حكومة الاتحاد الفيدرالي وأحمد علي مسعد سكرتير المجلس الأعلى لاتحاد الجنوب العربي وغيرهم وأرسل السلطان قابوس وفدا تفاوضيا لمعرفة طلب رئيس الجبهة ورفاقه فكان ردهم طلب المشاركة في حكومة بلادهم ووافق السلطان قابوس الحكيم على طلبهم وسلمهم شؤون الحكومة وشغل عددا منهم مناصب وزراء وعين الاخ يوسف بن علوي كوزيرا للخارجية ولازال منذ عقود الى اليوم وزيرا للخارجية في سلطنة عمان ،ولعلي هنا اقول كان دعم جبهة تحرير عمان والخليج العربي المحتل غير محسوب العواقب لولا حكمة السلطان قابوس بن سعيد ففي حرب 1994م الظالمة خرج نائب رئيس الجمهورية اليمنية آنذاك السيد /علي سالم البيض هاربا بجلده من مطاردات الافندم /عبدربه منصور هادي إلى ان ولج حدود عمان وكان في استقباله يوسف بن علوي وزير خارجية عمان واستضافة السلطان قابوس بن سعيد لعدة سنوات ودارت الدوائر في حرب الانقلاب على الشرعية عام 2015م حيث هرب بجلده فخامة الرئيس /عبدربه منصور هادي إلى عمان وكان في استقباله يوسف بن علوي وزير خارجية عمان ثم ودعه في مطار صلاله متجها إلى الرياض حيث طابت له الإقامة وهكذا كل دفعه هاربة تبحث عن المخرج الآمن ويارجل شلي حذاش".


نشر في 8نوفمبر 2016م