آخر تحديث :الثلاثاء-09 ديسمبر 2025-08:11م
أخبار وتقارير


حين تتحول الجراح إلى ذاكرة نور الجنوب بين النزوح والحرب وصناعة الصمود

حين تتحول الجراح إلى ذاكرة
نور الجنوب بين النزوح والحرب وصناعة الصمود
الثلاثاء - 09 ديسمبر 2025 - 07:04 م بتوقيت عدن
- أبين تايم/خاص

في الجنوب، لم تكن السنوات الماضية مجرد أحداث عابرة، بل كانت فصولًا مكتوبة بمداد الوجع والصبر، ومختومة بإرادة الناس على الحياة رغم العواصف. عشنا أيامًا اعتقدنا أن الليل لن ينقضي، وأن الأبواب مغلقة إلى الأبد. لكن حين ابتعدت العاصفة قليلًا، اكتشفنا أن تلك الأيام القاسية حملت في طيّاتها وجهًا آخر… وجهًا لا يراه إلا من نجا منه: جمال التجربة وقوة الروح.


أيام النزوح… حين ترك الناس بيوتهم واصطحبوا ذكرياتهم على ظهورهم

لا تزال الذاكرة الجنوبية مثقلة بصور النزوح الجماعي. عائلات خرجت من بيوتها تحت أزيز الرصاص، تحمل ما خفّ من المتاع وما ثقل من الذكريات. لم يكن أمامهم سوى طريق مجهول، وسماء تُمطر خوفًا، وأحلام مؤجلة حتى إشعار آخر.

ومع ذلك، بقيت قلوبهم صلبة كحقولهم، لا تنحني إلا لله.


أيام الحرب… صوت البارود الذي علّمنا معنى البقاء

في سنوات الحرب تحولت المدن إلى ساحات صبر، والبيوت إلى دروع بشرية. كان الأطفال يكبرون قبل أوانهم، والنساء يحمين الأسرة بقوة لا توصف، والرجال يبحثون عن حياة تحفظ كرامتهم في زمن تلاشت فيه الحدود بين الليل والنهار.

ورغم شدة اللحظات، أثبت الجنوب أن الحياة أقوى من الموت، وأن إرادة الناس لا تهزمها المدافع.


أيام الأزمات… حين فقدنا كل شيء جميل

عشنا فصولًا من الظلام الدامس، وانقطعت الكهرباء لأيام طويلة، وغاب الماء، وتأخر الراتب، واشتدت وطأة الحياة حتى تحولت إلى امتحان يومي. خسر البعض بيوتهم، وخسر آخرون أعمالهم، وضاعت الكثير من التفاصيل الجميلة التي كانت تزين حياتنا.

ومع كل ذلك، ظهرت أجمل معاني التكافل، وتقاسم الناس لقمة العيش، وتحوّلت الأحياء الشعبية إلى أسرة واحدة تتشارك الأمل قبل الطعام.


قصص الصمود… بطولات صغيرة صنعت تاريخًا كبيرًا

من بين قصص الصمود تبقى قصة تلك المرأة العدنية مثالًا خالدًا؛ فقد علّقت ورقة على باب المطبخ كتبت فيها:

"اليوم سنصمد… وغدًا سيكون أجمل."

كانت الورقة رمزًا للحياة، تُعيد شحن البيت كل صباح، وتمنح الأطفال شجاعة مواجهة يوم مجهول. ومع الأيام تحولت الجملة إلى شعار غير معلن يتناقله الجيران، وكأنها راية صغيرة في معركة كبيرة.


الحكمة التي وُلدت من رحم المعاناة

نحن لا نُمجّد الألم، لكنه بلا شك معلم كبير. فقد علّمنا أن الإنسان أقوى مما يعتقد، وأن الأبواب التي تبدو مغلقة قد تُفتح فجأة بفضل الله، وأن ما نظنه نهاية قد يكون بداية لصفحة أجمل.


واليوم، حين نتذكر تلك السنوات المريرة، لا نقول إلا:

الحمد لله الذي أعاننا وصبّرنا وحفظنا وكتب لنا النجاة.


الأيام القاسية ليست النهاية

قد تأتي تحديات جديدة، وربما تُعاد الاختبارات، لكن الحقيقة التي باتت راسخة في وجدان كل جنوبي هي أننا شعب لا ينكسر.

شعب وُلد من الصبر، ونضج في النار، ونهض من تحت الركام مرات ومرات.


وما دمنا قد عبرنا الأصعب… فإن القادم سيكون بإذن الله أجمل، وأكثر رحمة، وأقرب لتحقيق ما نحلم به.


عبدالقادر السميطي

دلتا أبين