في دلتا أبين، يتوقف المزارع أمام أرضه التي يرويها بالسيول، يتأمل محاصيله التي اعتادت أن تفيض خيرًا وعطاء. كان يعرف أن الأرض مثل الطفل... إذا تركتها يومًا تبكي عشرة! كانت أيام القطن والبسباس (أو الفلفل الأحمر) موسم فرح وأمل لكل أسرة، ويوم استلام المحصول كان يومًا يغير الحياة.
اليوم، الحقول صامتة.
المحاصيل تتراجع.
الأسواق تخلو من خير أبين.
هذا الانحدار ليس مجرد خسارة للزراعة، بل هو فقدان لحياة اقتصادية واجتماعية كاملة.
أبين تحتاج إلى الصبر والعناية وحب الأرض لتعود سلة غذاء وفخر المزارع الأبيني.
حيث كان المزارع في مواسم الازدهار يستطيع من عائد القطن أن:
يزوّج ابنه أو ابنته.
يبني غرفة أو منزلًا كاملًا.
يشتري سيارة أو آلة زراعية جديدة.
يسدد ديونه ويبدأ موسمًا جديدًا بلا أعباء.
يشتري قطعة أرض زراعية أخرى.
يشتري قطعة سكنية ليبني عليها منزلًا له ولأولاده.
كان القطن يسمى محليًا "موسم الخير" لأنه كان يكفي المزارع وأسرته عامًا كاملًا، ويضعهم على بداية سنة جديدة مليئة بالأمل.
وإن أراد أن يستدين مالًا، فيتم الاتفاق على السداد حتى يوم حصاد القطن.
ولكن ماذا يحصل اليوم؟
محطات التجميع خالية.
الشاحنات لنقل المحصول اختفت.
وموسم الخير أصبح ذكرى تُروى بحسرة. وفي الوقت الحالي، جاء الدور على محصول البسباس (الفلفل الأحمر)... محصول يقترب من الانقراض، ولم نعد نرى زراعته كما كانت سابقًا. نعم، نقولها وبحسرة.
بعد محصول القطن، تراجع إنتاج الفلفل الأحمر الذي كان يكفي السوق المحلي ويُصدَّر إلى الخارج.
اليوم نرى الفلفل الصيني يغزو الأسواق، بينما الحقول التي كانت تنتج أطنانًا مُكدسة من هذا المحصول أصبحت شبه مهجورة، دون معرفة الأسباب وراء امتناع المزارعين عن زراعته رغم أسعاره المجزية.
فلاحو دلتا أبين كانوا يزرعون جميع المحاصيل بما فيها البسباس والقطن والسمسم والفول السوداني وجميع أنواع الحبوب، ويملؤون الأسواق بمنتجات أبين المشهورة.
كان الموسم الزراعي يخلق حركة اقتصادية كاملة من الحقول إلى الأسواق إلى التجار، وكانت البطالة شبه معدومة (أو كانت البطالة في أدنى مستوياتها)، فالكل كان يعمل.
كانت الأراضي تُروى بالسيول وتُعطي دورتين زراعيتين، وأحيانًا ثلاث دورات إنتاج في العام.
اليوم، يتراجع كل ذلك وتتحول مزارعنا إلى غابات لأشجار السيسبان، تأويها الآفات الحشرية والضباع وغيرها من الزواحف الخطيرة، بدل أن تكون مصدر رزق وخير.
في زمن ما...
يُحكى أن مزارعًا من الدلتا زرع أرضه، وفي أحد المواسم انتشرت فيها الآفات، ونصحه الناس بتركها. لكنه قال: "الأرض مثل الطفل... إذا تركتها يومًا تبكي عشرة!"
واصل رعايتها، وفي نهاية الموسم كان الوحيد الذي خرج بمحصول جيد، وباعه بأسعار طيبة، وحقق أرباحًا فاقت ما كان يتوقعه.
السر كان يكمن في الصبر والعناية وحب العمل واستخدام أبسط الوسائل لمكافحة الآفات...
تراجع زراعة القطن وزراعة محصول الفلفل الأحمر، ومخاوف على محاصيل أخرى... كلها مؤشرات خطيرة تستدعي يقظة حقيقية.
أبين كانت سلة غذاء وتاريخًا زراعيًا مشرقًا، ولن تعود إلا بعودة الاهتمام بالأرض والمزارع.
عبدالقادر السميطي
دلتا أبين