آخر تحديث :الخميس-13 نوفمبر 2025-02:05ص
أخبار وتقارير


من باب المندب إلى البحر الأحمر: مقارنة بين موقف الجنوب العربي عام 1973 ومليشيات الحوثي

من باب المندب إلى البحر الأحمر: مقارنة بين موقف الجنوب العربي عام 1973 ومليشيات الحوثي
الأربعاء - 12 نوفمبر 2025 - 09:54 م بتوقيت عدن
- أبين تايم/متابعات

مقال/سهى البغدادي

المقدمة

يُعدّ البحر الأحمر ومضيق باب المندب أحد أهم الممرات البحرية في الأمن القومي العربي، إذ يشكل شريانًا استراتيجيًا للتجارة العالمية والطاقة بين الشرق والغرب، ويرتبط ارتباطًا مباشرًا بقناة السويس المصرية.

وخلال حرب أكتوبر 1973، كان هذا الممر شاهدًا على وحدة الموقف العربي، حين أغلق الجنوب العربي (عدن) مياهه الإقليمية بالتعاون مع القوات البحرية المصرية أمام الملاحة الإسرائيلية.

أما اليوم، فقد تحوّل المضيق نفسه إلى ساحة تهديد من قبل مليشيات الحوثي التي تستخدم البحر الأحمر كورقة ضغط سياسية وعسكرية، مما يشكل خطرًا على مصر والأمن العربي بأكمله.


أولًا: موقف الجنوب العربي في حرب أكتوبر 1973

كان الجنوب العربي في السبعينيات دولة فتية تتبنى نهجًا قوميًّا عربيًا وحدويًا، وترى في الحرب ضد إسرائيل معركة مصير للأمة العربية.

وفي هذا الإطار، تجاوبت عدن بسرعة مع نداء التنسيق العسكري المصري، وشاركت في عملية إغلاق باب المندب أمام السفن المتجهة إلى إسرائيل.


تمثلت مساهمة الجنوب العربي في:


السماح للقوات المصرية باستخدام مياهه وموانئه لتأمين الإغلاق البحري.

تسيير زوارق مراقبة وقوات بحرية في محيط جزيرة بريم وعدن لمنع مرور أي سفينة مشبوهة.

الاشتباك مع سفينة لم تكن ترفع أي علم بعد توجيه عدة إنذارات لها، واتضح لاحقًا أنها سفينة فرنسية.

وقد أدت هذه الواقعة إلى فرض عقوبات سياسية على الجنوب العربي من قبل فرنسا، لكنها عكست صلابة الموقف العدني والتزامه بالدفاع عن الأمن القومي العربي، دون خوف من العواقب الدولية.


أثمر التنسيق بين مصر وعدن عن نتائج استراتيجية مهمة:


خنق شريان النفط الإسرائيلي القادم من إيران إلى ميناء إيلات.

تعطيل حركة الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر.

تعزيز الموقف المصري في المفاوضات، حيث أُدرج موضوع إعادة فتح المضيق ضمن مفاوضات فكّ الحصار عن الجيش الثالث الميداني المصري.

لقد كان موقف الجنوب العربي عام 1973 نموذجًا للتكامل العربي، ودليلًا على أن توحيد القرار الاستراتيجي العربي يمكن أن يحقق إنجازًا يفوق القوة العسكرية وحدها.


ثانيًا: موقف مليشيات الحوثي في الوقت الراهن

منذ عام 2014، فرضت مليشيات الحوثي سيطرتها على مناطق واسعة من شمال اليمن، بما في ذلك مناطق قريبة من البحر الأحمر، وأصبحت تمثل تهديدًا مباشرًا لأمن الملاحة الدولية والعربية.

ورغم أنها ترفع شعارات “مناهضة إسرائيل وأمريكا”، فإن ممارساتها العملية أثبتت أنها تضر بالعرب أكثر مما تضرب العدو الإسرائيلي.


تتمثل سياساتها في البحر الأحمر في:


تنفيذ هجمات على السفن التجارية وناقلات النفط في البحر الأحمر وبالقرب من باب المندب.

تهديد السفن العابرة حتى تلك التي لا علاقة لها بالصراع، مما يرفع تكلفة التأمين والنقل البحري عالميًا.

استغلال الحرب في غزة والوضع الإقليمي لاكتساب نفوذ سياسي، عبر تقديم نفسها كقوة “مقاومة” بينما هي في الواقع أداة نفوذ إيرانية.

تسببت هذه الممارسات في خسائر اقتصادية ملموسة، منها:


انخفاض حركة السفن عبر قناة السويس نتيجة تحويل بعض الخطوط البحرية إلى طرق بديلة.

ارتفاع تكاليف النقل البحري والتأمين في البحر الأحمر.

إضعاف الثقة الدولية في الممرات العربية كمناطق آمنة للملاحة.

وهكذا، تحول المضيق الذي كان رمزًا للوحدة العربية في 1973 إلى منطقة توتر تهدد مصالح العرب ومصر على وجه الخصوص.


ثالثًا: المقارنة التحليلية

يكشف تحليل الموقفين – موقف الجنوب العربي في حرب أكتوبر وموقف الحوثيين اليوم – عن تحول جوهري في البوصلة السياسية والاستراتيجية لليمن.


ففي عام 1973، كان الجنوب العربي جزءًا من الجبهة العربية الموحدة، ينفّذ إغلاق باب المندب دعمًا لمصر ضد إسرائيل، ويعمل ضمن منظومة قومية هدفها حماية الأمن العربي.

أما اليوم، فإن مليشيات الحوثي تحولت إلى ذراع تهديد إيرانية تستخدم المضيق نفسه أداة ابتزاز سياسي وعسكري، وتعطل خطوط التجارة والطاقة العالمية.


الجنوب العربي قاتل لحماية السيادة العربية المشتركة، بينما الحوثيون اليوم يهددون هذه السيادة ذاتها.

الجنوب العربي أغلق المضيق في وجه العدو، أما الحوثيون فأغلقوه في وجه العالم العربي والمجتمع الدولي.

إنها مفارقة تاريخية تكشف كيف يمكن لتبدّل الولاءات والتحالفات أن يحوّل الموقع الجغرافي نفسه من درع للأمة إلى سيف ضدها.


الخاتمة

تؤكد هذه الدراسة أن الفرق بين موقف الجنوب العربي عام 1973 وموقف الحوثيين اليوم لا يكمن في الزمان فقط، بل في الهوية والمبدأ والولاء.

فبينما كان الجنوب العربي حليفًا صادقًا لمصر، وساهم في تحقيق النصر البحري العربي بإغلاق باب المندب في وجه إسرائيل، أصبحت مليشيات الحوثي أداة تهديد للأمن القومي المصري والعربي، مستخدمة البحر الأحمر وسيلة لتحقيق أهداف سياسية تخدم أجندات خارجية.


لقد أثبت التاريخ أن من يدافع عن باب المندب يدافع عن مصر والعرب جميعًا، وأن من يعبث به إنما يعبث بمصير الأمة بأكملها.

ومن هنا، فإن استعادة الأمن والاستقرار في البحر الأحمر اليوم ليست مسألة إقليمية فحسب، بل قضية وجود عربي